ولو أخذ المسلمون عن الغربيين ما عندهم من علوم مادية بحتة, واعتمدوا في دراسة العقائد والشرائع والأخلاق والعلوم النفسية والاجتماعية على ما عندهم من مصادر إسلامية لتقدمت البلاد الإسلامية في المجال المادي دون أن تقع فيما وقعت فيه من فساد العقيدة, وانحلال الأخلاق, وضعف الشخصية, مما زاد في تفكك المجتمع الإسلامي وتخلفه.
فالاستعمار الفكري الذي توغل في بلاد المسلمين وكان له أثره الكبير فيها, كان إذاً أخطر من الاستعمار العسكري؛ لأن الاستعمار العسكري مكشوف واضح لكل ذي عينين, وهو يحمل في طبيعته كراهيته, ويدفع الأمة المستعمرة بما فطر الإنسان عليه من حب للحرية والكرامة إلى أن تحاربه وتحاول التخلص منه.
لذلك لم يستطع الاستعمار العسكري أن يدوم طويلا في بلاد المسلمين لأن الإسلام بما يغرسه في نفوس المسلمين من روح الجهاد وحب الشهادة في سبيل الله, وبما يزرعه في أذهان المسلمين من أنّ المشركين نجس, وأنه يحرم على المسلم أن يخضع لحكم كافر, وأن عليه أن يجاهده ويقضي عليه ما وجد إلى ذلك سبيلا, كل هذا كان كافيا في أن لا يمكن للمستعمرين, ولا يديمهم طويلا في بلاد المسلمين.
إذا كان هذا الشأن الاستعمار العسكري, فإن الاستعمار الفكري يختلف كثيرا عنه, فهو كالشرك الخفي, أخفى من دبيب النمل, وهو أشد إيذاء وفتكا بأبناء البلاد المستعمرة؛ لأنه يجعل من أبناء البلاد أعوانا للمستعمرين دون أن يشعروا بجريمتهم, وهم بدورهم أشد جرأة على هدم شخصية الأمة وتحطيم بنيانها من المستعمرين الغرباء.