وقد أدرك الملك عبد العزيز - وهو الداعية المصلح، وولي الأمر - ما للقدوة الحسنة من أثر عظيم في نفوس المدعوّين، وأن الداعية الناجح هو الذي يهدي إلى الحق، ويدل عليه، وإن لم ينطق بلسانه، كما هداه فكره الثاقب، وفقهه الواسع، إلى أن القدوة الحسنة في حقه آكد، وأكثر تأثيراً، وأعمق نفعاً ذلك أن الناس مجبولون على مراقبة أفعال القادة، والكبراء، ومولعون بالاقتداء بهم، والتأسي بأعمالهم؛ لما لهم من المكانة العالية، والمنزلة الرفيعة.
من أجل ذلك - وامتثالاً لأمر ربه تعالى - كان - رحمه الله - عاملاً بما يعلم قائما بما يدعو إليه، فكان نموذجاً حيا للمبادئ التي يؤمن بها، مما جعله في قدوته، وأفعاله أكثر تأثيراً، وأبلغ وعظاً منه في كلامه وخطبه.
دعا - رحمه الله - الناس إلى توحيد العبادة لله وحده لا شريك له، وإخلاص الوجه والعمل له - كما أسلفنا - وكان مع خاصة نفسه أحرص الناس إلى توحيد الله تعالى، وعدم صرف شيء من العبادة لغيره، ولم يكن يحابي أحداً، أو يجامله في هذا الأمر الذي يعد أصل الأصول، وجوهر الدين، ولبّ الإسلام، ولو كان من يخاطبه زعيماً من الزعماء، أو قائداً من القادة، فقد التقى يوما زعيماً عربياً، وفي أثناء الحديث أراد هذا الزعيم التوكيد على مسألة معينة، فقال: وحياة رأسك.
فرمقه الملك بعين لا تقر إلا بتوحيد الله تعالى، وقال له: قل والله؛ لأن الحلف بغير الله شرك.
ولم يكن شيء من الأفعال أبغض إليه مما يفضي إلى الإشراك بالله تعالى، أو المساس بمقام التوحيد، يقول علماء عصره الذين أدركوا ما كان عليه الأمر قبل ولايته من استفحال الشرور، وانتشار الشرك، وما صار إليه الأمر بعد ولايته، يقولون: