نعني بالقدوة الحسنة: أن يكون الداعية ذا سيرة منبثقة مما يدعو إليه، وصاحب سلوك مهتدٍ بما يرشد إليه، لتكون أعماله مزكية لأقواله، وأفعاله مؤيدة لدعوته؛ فإن ذلك من أعظم ملامح فقه الدعوة إلى الله، وأبرز معالم المنهج الذي سار عليه الأنبياء، والمرسلون، فقد كانوا - صلوات الله وسلامه عليهم - أحرص الناس على التمسك بما إليه يدعون، وأشد الخلق امتثالاً لما إليه يرشدون، فهؤلاء أهل مدين يتوعدون نبي الله إليهم شعيباً، والذين آمنوا معه بالإخراج، إن لم يعودوا في ملتهم، فيقول لهم نبيهم شعيبٌ عليه السلام:
{أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا} [الأعراف88-89] .
ويقول لهم: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود88] .
حتى إذا كان خاتم الأنبياء، والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، كان إمام الأولين والآخرين في الاعتصام بحبل الله تعالى، والتمسك بوحيه، والتخلق بأخلاق القرآن، والتأدب بآدابه، حتى كان خلقه القرآن، كما وصفته عائشة رضي الله عنها، وقال الله تعالى في وصفه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم4] .
فلا عجب أن أمر الله تعالى كل مؤمن ومؤمنة يرجو الله واليوم الآخر، أن يقتدي به، ويتأسى بشمائله العظيمة:
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب12] .