ولو اقتصر أثرهم على عدد من المسلمين دخلوا النصرانية وارتبطوا بالغرب وثقافته نهائيا لهان الأمر, ولكن أثر الغربيين في بلادنا كان أبلغ وأخطر, فقد راع المسلمين ما هم عليه من تخلف مادي وحضاري, وتأخر في مجال العلوم والمكتشفات, ورأوا الغرب يرفل في ثياب المدنية, وظنوا ذلك مرتبطاً بالإسلام, وما فيه من تعاليم, فأعجبوا بالغرب, وبكل ما يأتي به الغرب, وعلى رأس هؤلاء الشباب الذين درسوا في المدارس التبشيرية, وتأثروا بتوجيهها, أو مضوا إلى الغرب ينهلون من ثقافته وعاداته, ثم رجعوا إلى بلادهم وفي أعماقهم احترام الغربيين, واحتقار أمتهم وما هي عليه من عقيدة وثقافة وعادات, وحاولوا جاهدين أن ينشروا المدنية الغربية في بلادهم, وقد أسهم الاستعمار بما له من نفوذ في بعض الأقطار الإسلامية في أن يرفع من قدر هؤلاء, ويلفت إليهم الأنظار, ويوليهم المناصب الحساسة الموجهة في البلاد, وقد كثر هؤلاء, وسيطروا على سياسة التعليم, وخرّجوا أجيالاً تؤمن بما يؤمنون.
وقد تربى هؤلاء على العقيدة القومية ودعوا إلى الحرية في الأخلاق ليفلتوا من رقابة المجتمع, ودعوا إلى تحرير المرأة ولحاقها بالمرأة الغربية. ولم تقف هذه الفئة عند حد في تقليد المجتمع الأوربي وأبت إلا أن تخرج المجتمع الإسلامي من دائرة الإسلام وتقطعه عن ماضيه, وتعلن التلمذة على الغرب, والاستسلام لكل ما يأتي من عنده, حتى بلغ الأمر ببعضهم أن يقدس الغربيين, ويتباكى عليهم إذا كانوا مستعمرين للبلاد وأكرهوا أن يخرجوا منها.
فهذا طه حسين مثلا يكتب مقالاً وهو في مصر عند جلاء الفرنسيين عن سورية ينعى على السوريين كفرهم بالنعمة, وطردهم أساتذتهم ومعلميهم الحضارة, وولى الدين يكن يتوجس خيفة من زوال الاحتلال البريطاني عن مصر مرتعاً للجهالة والتخلف لولا وجود البريطانيين المتحضرين فيها.