وقال ابن كثير: ضمَّن الفعل ههنا معنى (يَهِمُّ) ولهذا عدّاه (بالباء) فقال: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} أي: يَهِمُّ فيه بأمر فظيع من المعاصي الكبار، وقوله: {بِظُلْمٍ} أي: عامداً، قاصداً أنه ظلمٌ، ليس بمُتأولٍ [45] .
وقوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ ... } الإرادة هنا إرادة تصميم، وإصرار من المريد على ما أراد فعله في المسجد الحرام من أنواع المعاصي والذنوب، وما كان سوى ذلك فهو حديث نفس وخواطر لا يتعلق عليها حكمٌ، وهي مما وضعه الله تعالى عن عباده، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز عن أمتي ما حدَّثت بها أنفسها ما لم تَعْمل أو تتكلم به" [46] .
ألا ترى أن من أكره على الكفر، فكفر، لا يكفر لأن قلبه مطمئن بالإيمان، وقد اختصَّ الباري جل وعلا بعلم ما تُخفي الصدور، وربط كل عمل للعباد بما علمه عنهم من نوايا حسنة، أو سيئة.
والنية تصحح القول والعمل، ما كان خالصاً لله، وما كان رياءً وسمعة، والثواب والعقاب يُقوَّمَانِ على هذه القاعدة الحكيمة، فلا يُظلم أحد مثقال ذرة، ولا دخل للأهواء والأغراض في القضاء، إذ لا يعلم حقيقة النية إلاَّ الله.
المبحث الرابع: بعض خصائص البلد الأمين (القرية، والمسجد)
أولاً: (القرية)
وهي كل ما يحيط بالمسجد الحرام، من دور، ومرافق عامة، وخاصة، اتخذها الإنسان لنفسه، وعمرها، وفق حاجاته الأساسية والضرورية للعيش في الحياة الدنيا، وذلك منذ قبول (هاجر) أم إسماعيل عليه السلام، نفراً من جرهم مشاركتها ماء (زمزم) .
وأخذ ذلك المجتمع الصغير ينمو، ويتسع مع مضي الوقت والزمان، واكتسب أهمية عظمى في نفوس العباد منذ أن خوّل الباري جل وعلا خليله إبراهيم، وابنه إسماعيل - عليهما السلام - برفع قواعد أول بيت وضع للناس، الكعبة البيت الحرام، بيتاً لله في الأرض.