والجنايات تعظم على قدر عظم الزمان، كالأشهر الحرم، وعلى قدر عظم المكان، كالبلد الحرام.

فتكون المعصية معصيتين:

إحداهما: بنفس المخالفة.

والثانية: باسقاط حرمة الشهر الحرام، والبلد الحرام [41] .

قال في اللسان: ومن أمثال العرب في الشَبَهِ: من أَشْبه أباه فما ظلم، قال الأصمعي: ما ظلم، أي: ما وضع الشبه في غير موضعه.

قال: وأصل الظلم: الجوْر، ومجاوزة الحدِّ [42] .

روى البخاري في صحيحه عن عبد الله، لما نزلت هذه الآية: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام/82] ، شقَّ ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه ليس بذلك ألا تسمعون إلى قول لقمان: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} .

قال ابن حجر: وجه الدلالة منه أن الصحابة فهموا من قوله (بظلم) عموم أنواع المعاصي، ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وإنما بيَّن لهم أن المراد أعظم أنواع الظلم وهو الشرك. فدلّ على أن الظلم مراتب متفاوتة.

قال: قوله: {وَلَمْ يَلْبِسُوا} أي: لم يخلطوا، وقال محمد بن اسماعيل التيمي في شرحه: خلطُ الإيمان بالشرك لا يُتصور، فالمراد أنهم لم تحصل لهم الصفتان، كفر متأخر عن إيمان متقدم، أي: لم يرتدوا.

ويحتمل أن يراد أنهم لم يجمعوا بينهما ظاهراً وباطناً، أي: لم ينافقوا [43] .

وقول الله تعالى فيما يتعلق بالمسجد الحرام: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} .

قال ابن العربي: المعنى: ومن يَهمُّ فيه (بميل) يكون ذلك (الميل) ظلماً، لأن الإلحاد هو الميل في اللغة، إلاّ أنه قد صار في عُرف الشريعة ميلاً مذموماً، فرفع الله الإشكال وبيَّن أن الميل بالظلم هو المراد هنا [44] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015