وقد ذكر عن الكسائي أنه كان يفرق بين (الإلحاد) و (اللحد) ، فيقول في (الإلحاد) إنه العدول عن القصد، وفي (اللحد) إنه الركون إلى الشيء، وكان يقرأ جميع ما في القرآن (يُلحِدون) بضم الياء وكسر الحاء، إلاّ التي في النحل: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ} فإنَّه كان يقرؤها (يَلحَدون) بفتح الياء والحاء.
وأما سائر أهل المعرفة بكلام العرب فيرون أن معناهما واحد، وأنهما لغتان جاءتا في حرف واحد، بمعنى واحد [37] .
وقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف/180] ، - أي: يميلون فيها عن طريق الحق ويسمونه - سبحانه - بغير ما ينبغي أن يُسمى به، قال مكي بن أبي طالب القيسي: وكان إلحادهم في أسماء الله أنهم عدلوا بها عمّا هي عليه، فسموا بها آلهتهم، وأوثانهم، وزادوا فيها، ونقصوا منها، فسموا بعضها (اللات) اشتقاقاً من (الله) و (العزى) من (العزيز) [38] .
وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} [فصلت/40] ، أي: يطعنون في صحتها، أو يأولونها تأويلاً خاطئاً.
وقوله تعالى: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل/103] ، أي: كلام الرجل الذي يشيرون إليه زاعمين كذباً أنه يُعلِّم الرسول، هو كلام مبهم غير بيِّنٍ [39] .
المبحث الثالث: الظلم
(الظلم) لغة: وضع الشيء في غير محله.
وشرعاً: عبارة عن التعدي عن الحق إلى الباطل.
وهو الجور، وقيل: هو التصرف في ملك الغير، ومجاوزة الحدِّ [40] .
قال ابن العربي: (الظلم) في الحقيقة، لغة، وشرعاً: وضع الشيء في غير موضعه، وذلك يكون بالذنوب المطلقة بين العبد ونفسه، وبالذنوب المتعدِّية إلى الخلق، وهو أعظم.