يتضح من الوصايا التي وصى بها لقمان ابنه أنها تجمع أمهات الحكم، وتستلزم ما لم يذكر منها، وكل وصية يقرن بها ما يدعو إلى فعلها إن كانت أمراً وإلى مرتكبها إن كانت نهياً. فأمره بأصل الدين وهو التوحيد، ونهاه عن الشرك وبين له الموجبة لتركه. وأمره ببر الوالدين وبين له السبب الموجب لبرهما وأمره بشكره وشكرهما ثم احترز بأن محل برهما وامتثال أوامرهما مالم يأمرا بمعصية ومع ذلك فلا يعقهما بل يحسن إليهما، وإن كان لا يطيعهما إذا جاهداه على الشرك. وأمر بمراقبة الله وخوّفه القدوم عليه وأنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من الخير والشر إلا أتى بها. وأمره بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الصلاة وبالصبر اللذين يسهل بهما كل أمر كما قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} .
ونهاه عن التكبر وأمره بالتواضع، ونهاه عن البطر والأشر والمرح وأمره بالسكون في الحركات والأصوات، ونهاه عن ضد ذلك
فحقيق من أوصى بهذه الوصايا أن يكون مخصوصاً بالحكمة، مشهورا بها، ولهذا من منّة الله تعالى على عباده أن قصر عليهم من حكمته ما يكون لهم به أسوة حسنة.
فالوصايا السابقة هي منهج الآداب السامية التي يؤدب الله عباده ذلك لأن في امتثالها سعادتهم وفلاحهم دنيا وآخرة هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنهم يرون آثارها التربوية في توجيه وتهذيب سلوكهم، وتعمل على زيادة الألفة والمحبة بينهم كما يؤدي هذا إلى تماسك مجتمعهم.
المبحث الثالث
معالم أصول التربية الإسلامية من خلال وصايا لقمان