ففي مؤتمر القدس الذي عقده المبشرون أيام الاحتلال البريطاني خطب القسّيس (زويمر) رئيس المبشرين في إخوانه المؤتمرين, فبيّن لهم أهداف التبشير الحقيقة, وقال في بعض خطبته: "إن مهمة التبشير ندبتكم الدول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية, فإن في هذا هداية لهم وتكريما, وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقا لا صلة له بالله, وبالتالي فلا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها, وبذلك تكونون أنتم بأعمالكم هذه طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية ... لقد قبضنا أيها الإخوان - في هذه الحقبة من الدهر من ثلث القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا - على جميع برامج التعليم في الممالك الإسلامية, ونشرنا في تلك الربوع مكامن التبشير ... " إلى آخر ما قال.
فالتبشير الذي هو استعمار فكري كان إذن لخدمة الاستعمار العسكري وتمهيدا لدخول الجيوش الأجنبية, وضمان لبقائها في البلاد, وكان هذا الاستعمار العسكري الفكري يعمل ضمن مخططات مدروسة, ويستعين بشتى الوسائل الممكنة.
فقد هال المستعمرون ما رأوه عليه المسلمين من وحد روحية وعادات وآداب مشتركة, فحاولوا تحطيم هذه الوحدة, وتمزيق وشائج القربى بين المسلمين, فأثاروا النعرات القومية, وشجعوا أصحابها, وتآمروا على الخلافة الإسلامية حتى قضوا عليها, ليجعلوا بأس المسلمين بينهم ليعودوا أمماً ضعيفة, لا تملك من أمرها شيئا ... ورأوا في اعتزاز المسلمين بدينهم واحترامهم لنبيهم خطرا عليهم؛ لأنه يجعل الغربيين الكافرين الغرباء مكروهين, لا يركن المسلمون إليهم, ولا يثقون بهم, ولا يقبلون حكمهم, فحاولوا تغيير هذا ولجأوا إلى وسائل كثيرة منها: