الغزو الفكري وأثره في العالم الإسلامي
للشيخ محي الدين القضماني المدرس بالجامعة
منذ أن بزغ فجر الإسلام قام الصراع بين المسلمين والذين كفروا من أهل الكتاب, وهو حلقة من سلسلة الصراع القائم بين الحق والباطل من لدن آدم عليه السلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وامتد الفتح الإسلامي في أطراف الأرض, وتقلصت بلاد النصرانية حتى حصرت في بعض أوربا تتربص بالمسلمين وتنتظر منهم غفلة وضعفا, حتى لمست ذلك أيام الحروب الصليبية, فقامت بحملاتها تقذف بلاد الشام وقدسها بالجيوش العاتية, فاحتلت البلاد, وأسّست دويلات, ولكن المسلمين الذين أفاقوا من غفلتهم سرعان ما رجعوا إلى ربهم, فوحدوا صفوفهم, وانطلقوا تحت راية صلاح الدين, وإذا العقيدة الإسلامية نار تحرق الصليبين, وتطارد فلولهم, وترد أوربا المنهزمة على حقدها ومكرها, فتفكر في الوسيلة المجدية في إضعاف المسلمين, والتسلط على بلادهم, ورأت أنّ ذلك لا يتم إلاّ بإضعاف العقيدة في نفوس المسلمين, وإبعادهم عن مصدر قوتهم. وهكذا بدأت تمهّد هذه المرة للاستعمار العسكري بالاستعمار الفكري؛ لأنها عرفت أن الإنسان إذا فقد العقيدة فقد القوة والمنعة.
وأخذت أوربا ترسل جيوش المبشرين إلى الشرق محاولة أن تنزع من المسلمين حبهم لدينهم, وتمسكهم بإسلامهم, وإذا كانت قد فشلت في أن تدخل المسلمين في النصرانية في أكثر البلاد الإسلامية, فإنها قنعت أن تفسد العقيدة, والأخلاق في نفوس المسلمين, فتنزع من هذه النفوس اعتزازها بأمتها وتعاليمها.