وهنا أمر المحقق بإخراج هذا إلى مكان آخر، ودفع الأول نحو مكتبه مكرها..
- لم يبق مجال للكتمان.. خير لك أن تعترف.. وإلا فقدت كل حق بالعطف..
- أقسم لك.. أني.. أني.. لم أشترك بالقتل..
واهتزت أعصاب المحقق وهو يسمع لفظة القتل، الذي لم يذكر أنه رأى في هيئة القتيل أي دليل على حدوثه.. وثارت رغبته في معرفة التفاصيل التي بدأت تتدفق في جهد..
- لكن دورك بارز في الجريمة.. قلت لك تكلم بصراحة وصدق لتستحق العطف.. وسترى أن كل شيء معروف.. ولا سبيل إلى الإنكار.
وبلغت أعصاب المتهم نهاية الانهيار، ولم يبق له من سلطان على نفسه، فأخذ يتكلم ويسجل الكاتب كل حرف من كلامه، حتى إذا استنفد التحقيق غرضه أمره المحقق بالجلوس.. وحذره أن يتكلم إلا بإذنه.. ثم دعا بالمتهم الثاني..
- أي عبده.. لقد اتضح كل شيء.. فعليك بالصدق إذا شئت أن يكون لك حظ في الرحمة..
وحدق في وجه رفيقه سعيد قبل أية كلمة.. ورآه يحرك كتفيه ويقلب كفيه إشعاراً باعترافه.. فلم يدر بأية كلمة يجب أن يبدأ، وجعل يتمتم: الشيطان.. الشيطان.. له..
وشد على أسنانه يريد إتمام كلمته، ولكنه عجز عن ذلك.. ثم لم يستطع كلاماً إلا بعد أن نضح وجهه بالماء ومص بعض قطرات منه.. ثم راح يفضي بمكنوناته في حال من الإعياء الإرادي التام.
وتوالى الأفراد باعترافهم واحداً تلو الآخر.. وكان في إقرر كل منهم ضرب من الإيحاء القاهر، يجر الآخر مكرها إلى الإفضاء بكل ما في نفسه.. وكانت الساعة قد قاربت السادسة.. وأطلت تباشير من النهار، فلم يبق من مانع دون تمثيل وقائع الجريمة في مكانها..
وعند شجرة الجوز توزع الثمانية مهامهم وأمكنتهم.. فتسلق عبده وآخر معه الفرع الممتد فوق الطريق، وكمن اثنان في الخندق الأيمن من الطريق واحتل آخران خندقه الأيسر.. ثم تولى الباقيان مراقبة الطريق..
قال شحادة: