ولم يشأ المحقق أن يغير وضع الجثمان بانتظار الطبيب الشرعي.. ولكنه جعل يدقق النظر من أعلاه إلى أدناه، فلم يلمح أي أثر لجريمة.. اللهم إلا ذلك التماس الشديد الذي بدا بين وجهه والأرض، حتى لكأن أنفه قد كسر أو بسط تحت ضغط ثقيل غير أن مثل هذا قد يتأتى من أيد آثمة كما يحدث من سقطة فادحة..ومن يدري، فقد يكون الرجل مصاباً بالصرع، وقد فاجأه هنا، فأكبه على وجهه بهذه الصورة!.
وبدأ المحقق استيضاحه مع كبير الشرط:
- من الرجل.. اسمه.. ومن أي البلاد هو؟
- اسمه عبد الله خليل.. وهو أردني من إربد.. كان يتردد على مركزنا أثناء تجواله لمراقبة المتطوعين..
- إذن فأنتم تعرفون الكثير عن سلوكه الخلقي؟
- بالتأكيد.. إنه رجل شهم يتحلى بإخلاص كبير.. وكان صارماً في حماية النظام.. مما جعل الكثيرين غير راضين عنه..
وأمسك المحقق عن متابعة الأسئلة، لم يفكر بما يسمع، ولاح عليه أنه وجد في بعض هذا الوصف ما يستحق اهتمامه.. ثم طلب إلى الرجل أن يطلعه على التقرير الذي كتبوه عن مشاهداتهم.
وقرأ التقرير ووقف عند هذه الأسطر:.. وكان آخر عمل قام به في (قطنا) هو إخراجه بعض المتطوعة بالقوة من خماره (أبو جورج) .. وفي تمام الساعة الثانية عشرة من بنا في طريقه إلى المعسكر، ثم حوالي الساعة الواحدة والنصف شاهدته جوالتنا فاقد الروح تحت شجرة الجوز..)
وسأل الرجل مرة أخرى: (هل تعرفون أحداً من أولئك الذين كرههم على مغادرة الخمارة!؟.
وجاءه الجواب بالنفي.. فالتفت إلى الرقيب برهان: يحسن أن تحضر لي الخمارة، وسيرافقك أحد الشرطة ليرشدك إلى داره.. وستجدني بانتظاركم في مخفر الشرطة.
وترك المحقق الجثمان للطبيب الذي وصل آنئذ.. ومضى بسيارته إلى داخل البلد، ثم لم يكد يستقر إلا قليلاً حتى أقبلت سيارة الرقيب برهان بالخمارة.. الذي أوشك قلبه أن يقف من شدة الرعب، ولما رأى المحقق اضطرابه سكن روعه، وأشار إليه بالجلوس، ثم جعل يسأله في لهجه لا تبعث القلق: