النضال العام، استيقظت فيها عوامل الضعف القديمة، فتكاد اليوم تستأنف سيرتها الأولى، لا يمنعها من ذلك إلا هذه البقية من روح النظام الذي تكافح الضابطة من أجل صيانته في هذه المعسكرات.
ومما يساعد على مضاعفة هذا الانهيار المعنوي تلك الأنباء التي تأخذ طريقها بقوة إلى كل شقة ولسان بين المتطوعة.. إنها أنباء خيانات تنسب إلى طائفة من الكبار.. الذين تصدوا لقيادة الجهاد، فإذا هم فيما يقال يتواطأون مع العدو على تسليم الأرض المقدسة، لقد بدأت هذه الشوائع همسات في الخلوات، ثم انتهت إلى العلانية، يتداولها الجميع بين مصدق ومكذب.. وكفى بهذا وحده مثيراً للشكوك، مثبتاً للعزائم، مدمراً للحماسة، محطماً لكل تصميم روحي!..
وكانت هذه التصورات تتفاعل في صدر الرقيب برهان وخياله، وهو متجه في سيارة الجيب نحو منزل القائد.. ولما وقفت به السيارة أمام الباب انتزع نفسه من شروده، وأعلن مهمته لحرس المنزل.. ثم عاد إلى السيارة ليصحب الرئيس الذي كلف التحقيق في القضية.
وكانت الساعة لا تعدو الثالثة إلا قليلاً عندما وصل مكلفو التحقيق إلى حيث يستقر الجثمان تحت شجرة الجوز العجوز، التي تظلل أغصانها بعض الطريق الداخل إلى (قطنا) .. وترجل الرئيس وكاتبه، وتبعهما الرقيب برهان ليلقوا النظر الذي لا بد منه على الجسد الهامد.
كانت الظلمة طاغية.. والجو كشأنه في مثل هذه الليلة من آذار قارساً، ولكن مصباح الضغط الذي أحضره رجال الدرك لحراسة الجثمان بدد الكثير من تلك الظلمة، ونشر شيئاً غير قليل من الدفء..
ونظر المحقق ومن معه إلى ذلك الجسد المنبطح على صدره، وقد امتد كل من ذراعيه في شبه زاوية قائمة، وانفرجت ساقاه.. ولم يبد من وجهه سوى جانبيه.. لأن مقدمته لاصقة بالأرض.
وتراءى ذلك الهيكل العملاق تحت الضوء المشع مهيب النظر، يوحي بأن صاحبه كان على حظ من القوة الجسدية غير يسير.