وتذكر برهان أن مثل هذا التفكير لا يحسن بالإنسان الذي وهب نفسه لواجب الجهاد، الذي لا يكون قتالاً للعدو فقط، بل قتالاً للأهواء، وقتالاً للكسل الذي يدفع صاحبه لإيثار النوم على التحقيق في قضية كهذه.. أياً كانت نتائجها!.
على أنه لم يخطر في ذهنه موضوع الجهاد حتى أحس بانقباض موجع، لقد انتظم في سلك المجاهدين في غمرة من الحماسة الروحية التي تجعل الاستشهاد أروع ما يتصوره القلب المؤمن، وهو الروح الذي كان يسيطر على معسكرات المجاهدين جميعا، وبه بدأت المعارك الأولى، فكان النصر، وكان القتل، وكان كلاهما شيئاً جميلاً في نظر هؤلاء الذين فارقوا أهليهم وأعمالهم ابتغاء رضوان الله، ولا يزال يذكر الساعة التي فقد فيها رفيقه ومواطنه اللاذقي (محمد الصباغ) .. ذلك الفتى الذي لم يستطع والداه صده عن خوض هذه الغمرة؛ لأنه كان شديد الرغبة في الشهادة، فأبى الله إلا أن يحقق له رغبته، وتم ذلك برصاصة يهودية حطمت فكه الأسفل، وحملت إليه المنية، إذ كان إلى جانبه يطلق نيران بندقيته على العدو، وتحول الإصابة بينه وبين الكلام، فيسلم الروح وعلى ثغره ابتسامة الرضا بما آتاه الله من فضله.. ولقد خاض برهان بعد معركة القدس تلك عدة ملاحم، ورأى العديد من رفاقه المؤمنين يسبقونه إلى الجنة، وفي كل مرة كان يتطلع إلى حظه من هذه النعمة، مزوداً نفسه لها بكل ما يسعه.. ولكن الله لم يقدر له هذا المصير، ومد بأجله حتى اليوم.. ليشهد التدهور المريع الذي بدأ يراود النفوس، فيطفئ شيئاً فشيئاً توهج الوقدة المقدسة التي ساقتها إلى هذه الساحات.. وها هو ذا يرى بعيني رأسه التطور الفاجع الذي أعقب الهدنة، فجعل يحول الطاقات التي كانت معبأة لدك معاقل اليهود، واستنقاذ الأرض المقدسة إلى تدمير نفسها بهذه الخلافات اليومية التي يثيرها المتطوعة فيما بينهم لأتفه الأسباب.. ثم وجدت في الجهاد من أجل فلسطين فرصة للتوبة والتطهر.. حتى إذا تسرب روح الوهن إلى جهاز