وهذا ما ذكره بعض المحققين منهم البخاري فقد أورد هذا الحديث في الأدب المفرد معنوناً له بقوله: (باب من كره الغالب عليه الشعر) .
وقال النووي في شرح هذا الحديث: "الصواب أن المراد أن يكون الشعر غالباً عليه مستوليا عليه بحيث يشغله عن القرآن لكريم وغيره من العلوم الشرعية". اهـ.
ومن أوضح الأدلة على هذا المعنى أن الله عز وجل لما استثنى الشعراء وصفهم بقوله: {آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} فإذا لم يشغل الشعر صاحبه عن الإيمان والعمل الصالح وذكر الله، وكان وسيلة لنصر المسلمين والذب عن الدين والدفاع عن المظلومين، فلا يتوجه إليه النهي والذم ولا غضاضة في تعاطيه، وقد يكون المقصود بالحديث أيضاً الشعر الذي يخالف آداب الإسلام، فإن الإسلام حرم عادات الجاهلية من تعاظمها بالآباء ومن النياحة والكذب وقذف الأعراف والتشبيب بالمحجبات.. وقد كانت هذه كلها عادات مستحكمة في الشعر عند العرب.. فشدد الرسول في القضاء عليها والنهي عنها.
أخرج البخاري (في الأدب) بسنده عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أعظم الناس جرماً إنسان شاعر يهجو القبيلة من أسرها ورجل ينتفي من أبيه".. وأخرجه ابن ماجة بلفظ: "رجل هاجى رجلا فهجا القبيلة بأسرها" وصحح هذا الحديث ابن حبان.
ويؤيد هذا المعنى والذي قبله ما أخرجه أحمد والترمذي وصححه أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتناشدون الأشعار في المسجد فلا ينهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وربما ابتسم معهم، وكذلك ما أخرجه مسلم من أن حسان كان ينشد في المسجد وفيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.