ومن الجوانب العلمية الأخرى في الكتاب تلك المحاورة التي عقدها المؤلف مع طيَّار من جنوب إفريقية يعمل في الكنغو وقد جمعته به الطائرة على غير ميعاد فكانت فرصة سانحة للحديث عن السياسة العنصرية وموقف الإسلام منها. وقد حاول ذلك الأوربي تسويغ التمييز الذي تمارسه بلاده بكل ما أوتي من منطق، ومن ذلك احتجاجه بمنع الإسلام غير المسلمين دخول مكة المكرمة. فكان رد المؤلف على غاية من الإحكام، إذ أوضح لذلك العنصري سمو نظرة الإسلام إلى الإنسان، وتقرير مكانته على أساس الكسب الشخصي الذي يتساوى في مسئوليته الناس جميعا، دون الجانب الطبيعي الذي لا بد لصاحبه في تكوينه، ولا قدرة له على تبديله.
ومن طرائف هذه المحاورة تلك العبارة التي كشف بها ذلك العنصري المتعصب على لعبة الأوربيين والأمريكيين في موقفهم من أنظمة التمييز في جنوب أفريقية وروديسية، إذ يملئون ردهة المجالس العالمية ببكاء الحريات والتظاهر باستنكار تلك الجرائم العنصرية، ولكنهم يرفضون استعمال القوة لوقفها! فقد سأله المؤلف عن رأيه في المسألة الروديسية، وعما إذا كان يتوقع زوال الوضع الشاذ الذي فرضته جماعة سميث عليها. فأجاب: ((نحن لا نخشى شيئا، لأن من بأيديهم القوة لا يمكن أن يستعملوها ضدنا أو ضد روديسة.. أما من يرغبون في تدميرنا حقا فإننا أقوى منهم..)) .
والكتاب إلى هذا غني بالمشاهد العاطفية، فهي تطالع القارئ بنفحاتها اللاذة بين الحين والحين، وقد هزتني منها بخاصة ثلاثة مشاهد لا أزال أحس آثارها في أعماق نفسي.