في هذه المناطق التي نجوبها مع المؤلف ركائز بعيدة الغور للوجود الإسلامي، تتجلى في ميادين عديدة.. لعل أهمها إطلاقا ذلك الارتباط الروحي بالقرآن العظيم. فأنت أنى سرت خلال هذه المذكِّرات تجد إقبالا عليه، واهتماما بتلاوته، وإن وقف ذلك غالبا عند حدود التبرك والتعبد المجرد عن الفهم.. ذلك لأن القوم، سواء منهم الأفارقة الأصليون، أو الأعاجم المهاجرون، ولا يكادون يفقهون - كما أسلفنا - حرفا من العربية، التي هي المدخل الأول إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم لا يقل في ذلك عن الأهمية إقبال هؤلاء على العبادات الإسلامية من صلاة وصيام ونوافل.. تلك العبادات التي لا نظير لها في تحصين القلوب وتفتيت الفوارق. وإمداد المجتمع الإسلامي بكل عوامل الاستمرار ثم يلي هذا وذاك بعض الجمعيات والمؤسسات والمدارس والكتاتيب التي تقوم هنا وهناك من تلك الأقطار، فتأتي كتعبير عملي عن تنبه الجماعات الإسلامية إلى حاجتها للتنظيم الذي يساعدها على التقدم، ويمكنها من مواجهة التحديات الهائلة التي تنصب عليها من مختلف التيارات الغازية.. أجل.. إن القارئ ليطل من خلال هذه المذكرات على تلك الركائز التي من حقها أن تشدد الأمل بمستقبل الإسلام في تلك القارة، ولكنه لا يستطيع أن يتساءل: أين هم البناة الذين يحسنون استخدامها لتشييد الصرح الإسلامي الجديد في أفريقية الغد! ..
إن التعلق بكتاب الله لا يؤتي ثمرته إلا بالنفاذ إلى معانيه، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتمكين للعربية من ألسنة القوم وعقولهم، بحيث لا يقل اهتمامهم بها عن اهتمامهم بلغتهم القومية، ولا أمل في هذا الخير إلا بتوفير المدرسين لهذه اللغة في المدارس التي تعدُّهم للحياة.. ومن غير العرب يحمل مسئولية هذا العمل أمام الله وأمام الأجيال القادمة من أبناء هذه الأمة في أفريقية ... وفي غير أفريقية من أرض الله! ...