وبعد أن ذكر أبو حنيفة الدينوري خروج الحسن من الكوفة للقاء معاوية قال، لما رأى الحسن الفشل من أصحابه، وإن أكثر من معه قد نكل عن القتال لم ير أن يحملهم على ما يكرهون، ولذلك خطبهم وأعلمهم أنه يريد أن يسلم الأمر إلى معاوية، فقام نفر منهم فانتهبوا سرادقه، وطعنه رجل خارجي اسمه الجراح بن قبيصة من بني أسد، فقتل الناس الخارجي وحمل الحسن إلى المدائن للعلاج [109] .
وأما المسعودي فذكر أن الحسن صالح معاوية لما ناله من أهل الكوفة، وقال أيضا، لما تيقن ما نزل به انقاد إلى الصلح [110] .
وقد حمّل اليعقوبي معاوية بن أبي سفيان وأنصاره من أهل العراق ما وقع في جانب الحسن من الاضطراب والفشل واضطره إلى مصالحة معاوية، قال اليعقوبي: وكان معاوية يدس إلى عسكر الحسن من يتحدث أن قيسا صالح معاوية، ويدس إلى عسكرِ قيس من يتحدث أن الحسن صالح معاوية، وقال أيضا: وجّه معاوية إلى الحسن وفداً فأتوا وهو بالمدائن نازل في مضاربه، فلما خرجوا من عنده، أخذوا يقولون يسمعون الناس، إن الله حقن بابن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدماء وسكّن الفتنة وأجاب إلى الصلح، فلما سمع عسكر الحسن ما قاله وفد معاوية لم يشكّوا في صدقهم، فوثبوا بالحسن فانتهبوا مضاربه وطعنه الجراح بن سنان الأسدي، فلما رأى الحسن أن لا قوة به، وأن أصحابه قد افترقوا عنه صالح معاوية [111] .
وبذلك نكون أمام طائفتين من الروايات، الأولى تجعل تنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية إيثاراً منه للسلم وكراهة الفتنة، والثانية تجعل الحسن تنازل مكرها للفشل الذي رآه في أصحابه.