قالت العرب في التعجب من "جُن زيدٌ": ما أجنَّه! وهو محمول على المعنى، استجازوا فيه ما استجازوا فيما حُمل عليه، ألا ترى أن "جُن زيدٌ:"فهو في المعنى داخل في حيزِّ الأوصاف التي لا تكون أعمالا، وإنما تكون خصالاً في الموصوفين بغير اختيارهم، مثل: كَرُمَ فهو كريم، ولؤم فهو لئيم، خصال لا يفعلها الموصوف, فهكذا "جن زيد فهو مجنون "، إنما هي خصلة في الموصوف، لا اختيار له فيها، فأجري مجرى رقع فهو رقيع، وبلد فهو بليد إذا كان داخلاً في معناه، والدليل على صحة هذَا أن العرب لا تتعجب من "أفْعَلَ"، لا يقولون: ما أحمره! ولا: ما أسوده! ولا: ما أفطسه! , ويتعجبون من "أحمق، وأرعن، وألد، وأنوك "، فيقولون ما أحمقه! وما أرعنه! وما ألده! وما أنوكه!، لأن أحمق بمنزلة بليد، وألد بمنزلة مرس [116] ، وأنوك بمنزلة جاهل، فحملوه على المعنى، فهكذا "جُن زيدٌ"حُمل على المعنى، لأن العرب تشبه الشيء بالشيء، ويحمل على المعنى إذا وافقه واقترب منه، فمن ذلك قولهم: "حاكم زيدٌ عمرٌو"برفع الاثنين جميعاً، لأن كل واحد منهما فاعل، قال أوس:
له قتبٌ خلف الحقيبة رادف
تُواهق رجلاها يداه ورأسه
وقال القطاميُّ:
على دمه ومصرعه السِّباعا
فَكرَّت تبتغيه فصادفته
لأن السباع قد دخلت في المصادفة. وقال:
ولها في مفارق الرأس طيبا
لن تراها - وإن تأمَّلت - إلا
لأن الطيب قد دخل في الرؤية [117] .
وأقول (القائل علم الدين السخاوي) : إنما قالوا: ما أجنَّه!؛ لأن "جُن"لا فاعل له، فهو في المعنى تعجب من الفاعل، لأنه لا يقال: جَنَّهُ، إنما يقال: أجنَّه.
وقد جوّز السخاوي أن يحمل عليه قولهم في التعجب: ما أسرني بكذا وكذا!، لأنه يجوز أن يكون تعجباً من "سررت"ويكون محمولاً على ما قدمنا ذكره في "جُن زيدٌ"فيكون بمنزلة: بُرَّ حجُّك فهو مبرور [118] .