ثم إنه وإن كان بلفظ الأمر فليس بأمر، وإنما هو خبر محتمل للصدق والكذب، فيصح أن يقال في جوابه: صدقت أو كذبت، لأنه في معنى "حسن زيدٌ جداً".
ومنها أنه لو كان أمراً لكان فيه ضمير المأمور، فكان يلزم تثنيته وجمعه وتأنيثه، على حسن أحوال المخاطبين.
ومنها أنه كان يصح أن يجاب بالفاء كما يصح ذلك في كل أمر، نحو: أَكْرِمْ بعمرٍ فيشكرك، وأجمل بخالد فيعطيك, على حد قولك: أعطني فأشكرك، فلما لم يجز شيء من ذلك, دل على ما ذكرناه، فاعرفه [112] .
وتخريج الزجاج لبقاء "أحْسِنْ به "في الأحوال على صورة واحدة كون الخطاب لمصدر الفعلِ، أي: يا حُسْنُ أَحْسِنْ بزيدٍ. وهذا تخريج فيه تكلف وسماجة من حيث المعنى، وأيضا نحن نقول: أَحْسِنْ بزيدٍ يا عمرو، ولا يخاطب شيئان في حالة واحدة، إلا أن نقول: إن معنى خطاب الحُسْن قد انمحى [113] . ثم إنه خالف من وافقه في هذا التخريج، إذ جعلوه أمراً لكل أحد بأن يجعلَ زيداً حسناً، وجعله كذلك بوصفه بالحُسْن، كأن معناه قيل: صِفْهُ بالحُسْنِ كيف شئت، فإن فيه منه كل ما يمكن أن يكون في شخص، كما قال:
فإن وجدت لساناً قائلا فقل
وقد وجدت مكان القول ذا سعة
وهذا معنى مناسب للتعجب [114] .
وهناك مذهب ثالث يفرق بين الفعل المبني للمفعول لزوماً، بحيث لا يأتي مبنياً للمعلوم وبين الفعل الذي يأتي مبيناً للفاعل وللمفعول، فيجيز أن يَتعجَّبَ من الأول دون الثاني, ذلك أن نائب الفاعل - وإن أفاد ظاهراً تحوله عن مفعول في اللفظ - فهو في المعنى فاعل، لأنه لم يقع عليه فعل من غيره كالمشغول الذي شغله غيره، فلو حُمل "ما أزهاه "على أنه تعجب من الفاعل المعنوي، لم يكن بأس [115] .