"إن الفاعل هنا ليس شيئاً غير المفعول، ألا ترى أنك إذا قلت: "ما أحسن زيدا"، فتقديره: شيء أحسن زيداً، وذلك الشيء ليس غير زيدٍ، فإن الحسن لو حلّ في غيره لم يحسن هو، فكان ذلك الشيء مثلاً عينه أو وجهه، وليسا غيره، فلذلك جاز أن يكون مفعولاً في ذلك اللفظ أو فاعلاً في هذا اللفظ، إذ المعنى واحد، فإن قيل: فما وجه استعمال التعجب على لفظ الأمر، وإدخال الباء معه، قيل: أرادوا بذلك التوسع في العبارة، والمبالغة في المعنى, أما التوسع فظاهر؛ لأن تأدية المعنى بلفظين أوسع من قصره على لفظ واحد، وأما دخول الباء فلما ذكرنا من إرادة الدلالة على التعجب، إذ لو أريد الأمر لكان كسائر الأفعال، ويتعدى بما تتعدى تلك الأفعال، فكنت تقول في (أحسِن بزيدٍ) : أَحْسِن إلى زيدٍ؛ لأنك تقول: أحسنتُ إلى زيدٍ، ولا تقول: أحسنت بزيد" [108] .

ولهذا جاز حذف المتعجب منه في نحو قوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِر} [109] أي: أبصر بهم. فعلى قول من يقول بأنه مفعول لا إشكال كما تقدم. وعلى قوله الجمهور: إن المجرور في موضع رفع ب (أفعل) إنما جاز حذفه؛ لأنه في المعنى كمعمول (أَفْعَلَ) فحُمِلَ عليه، والفارسي وقوم على أنه لم يحذف، بل حُذف الحرف، فاستتر الضمير، ورُد بعدم بروزه، فلا يقال: أسمع بالزيدين وأبصروا [110] .

وقد ردوا على هذا الاعتراض بأن قالوا: عدم تصرف فعل التعجب سَوَّغ لزوم (أَفْعِل) وإن خُوطب به مثنى أو مجموع أو مؤنث- صورة الإفراد، وسهل ذلك انمحاء معنى الأمر فيه، كما انمحى في (ما أَفْعَل) معنى الجعل، وصار معنى (أَفعِلْ به) كمعنى (ما أَفعلَه) وهو محض إنشاء التعجب، ولم يبق فيه معنى الخطاب حتى يثنى ويجمع ويؤنث، باعتبار تثنية المخاطب وجمعه وتأنيثه". وقد جرى مجرى الأمثال، فلزم صورة واحدة في جميع أحواله [111] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015