وقد سَلِم هذان الوجهان من المآخذ التي أخذت على تخريج الجمهور، "وإنما فيهما استعمال الهمزة للتعدي أو للتصيير، وتقدير ذلك أن يقال: إنه أمر في الأصل من "أكرمتهُ "أي: جعلته كريما، والباء مزيدة على المفعول، وفيه على هذا ضمير، فاستعمل الهمزة للتعدي، وهو كثير، واستعمل الباء زائدة على المفعول، وهو كثير، واستعمل صيغة الأمر للأمر، وهو القياس، ثم نقل على التقدير الأول، فلم يلزم فيه ذلك التعسف الذي في التقدير الأول، وإنما يلزم فيه الإضمار الذي لا يتغير، وليس بمستبعد ألا ترى أن مثل هذه الصيغة في الإنشاء للمدح قد جرى الضمير فيها هذا المجرى، فلم يغير عن لفظ الوحدة في قولك: نِعمَ رجلاً، ونِعم رجلين، ونعْمَ رجالاً،، فكذلك هاهنا، وقد أجاب بقوله: إنه جرى مجرى المثل، فلم يُغيّر عن لفظ الوحدة.
والوجه الثاني: أن تجعل الهمزة لما جعلت له في الوجه الأول، وهو على الأمر أيضا، كان أصله: أكرِم، أي: صِرْ ذا كرم، ثم عُدّي بالباء، فصار الفاعل فيه مُصيراً غيره صائراً ذا كرم، كما تقول: قمت، فتكون أنت القائم، ثم تقول: قمت بزيد، فتأتي بالباء للتعدي، فيُصير الداخلة هي عليه هو الفاعل لذلك قبل دخولها، فصار بمعنى أكرم بزيد! في الأصل على هذا التأويل: صَيِّر زيداً صائراً ذا كرم [106] ، فأفاد التصيير فيه مجيء الباء للتعدي، لأن هذا المعنى مستفاد من باء التعدي، وأما كونه صائرا ذا كذا فمستفاد من الصيغة التي هي أكرم" [107] .
وقد رد الجمهور على ما قاله المخالفون, فقالوا زيادة على ما ورد ذكره في أثناء عرض حجج المخالفين: