ولأن في العمل بالقيد الذي يتحقق بحمل المطلق عليه خروجا عن العهدة بيقين سواء كان المطلوب الإتيان بالمطلوب أو المقيد، لأنه إن كان المطلوب المطلق لكان المقيد مجزئا لكونه فرداً من أفراد المطلق الذي يتحقق في ضمنه، وإن كان المطلوب المقيد يكون المقيد مجزئا أيضا لأنه المطلوب نفسه، وأمَّا العمل بالمطلق الذي يتأتى من عدم حمل المطلق على المقيد فإنه يحتمل عدم الخروج من العهدة، لأن المطلق كما ذكرنا يتحقق بأي فرد كَان سواء كان الفرد المقيد أو غيره، فربما يأتي المكلف بذلك الغير ويكون المطلوب الفرد المقيد فلا يخرج عن العهدة.

ولأنه لو لم يحمل المطلق على المقيد يلزم أن يكون السبب الواحد موجبا للمتنافيين وهو الإطلاق. والتقييد في وقت واحد والسبب الواحد لا يوجبهما كذلك.

وقد ذكرنا أن العلماء اتفقوا على حمل المطلق على المقيد في هذه الحالة والأمر كذلك فيما إذا تقدم المقيد على المطلق فإن بعض العلماء ينقلون عن بعض العلماء أنهم خالفوا في حمل المطلق على المقيد وأنهم ذهبوا إلى حمل المقيد على المطلق وبينوا المقصود من حمل المقيد على المطلق بأن يراد من المقيد ما أريد بالمطلق ويلغى القيد، فبدل أن يكون المقيد بيانا للمطلق أيضا كما هو مذهب جمهور العلماء يكون المطلق هو البيان للمقيد ولا يعتبر القيد في المقيد أيضا.

واستدلوا على ذلك بأن المقيد جزئي للمطلق وفرد من أفراده، فذكر المقيد ذكر لجزئي من المطلق، فلا يقيده، كما أن ذكر فرد من أفراد العام لا يخصصه، والتقييد مثل التخصيص بجامع أن كلا منهما نقص للشيوع وقطع للحكم عن بعض الأفراد، فما لا يصلح أن يكون مخصصا لا يصلح أن يكون مقيدا أيضا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015