وقد أجابوا عن هذا الدليل بأن قياس التقييد على التخصيص قياس مع الفارق وجه الفرق أن المذكور في المقيد قيد ومفهوم القيد حجة عند القائلين بمفهوم المخالفة لأن القيد صفة، ومفهوها حجة عند الجمهور، أما الفرد من أفراد العام فهو لقب غالبا ومفهوم اللقب ليس بحجة، فلا يقاس ما هو حجة على ما ليس بحجة، فلا يلزم من عدم التخصيص بذكر فرد من أفراد العام عدم التقييد بالمقيد.
ومع نقل هذا الخلاف فإن المحققين من العلماء على أنه لا خلاف يعتد به في حمل المطلق على المقيد في هذه الحالة.
الحالة الثانية: اختلاف الحكم والسبب:
مثاله قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (1) وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} (2) .
فقد ورد لفظ الأيدي مطلقا في الآية الأولى. ورد مقيدا بكونها إلى المرافق في الثانية والحكم فيهما مختلف إذ هو في الآية الأولى وجوب القطع، وفي الثانية وجوب الغسل، كما أن السبب مختلف فيهما أيضا إذ هو في الأولى السرقة وفي الثانية القيام إلى الصلاة.
ففي مثل هذه الحالة اتفق العلماء على أنه لا يحمل المطلق على المقيد، بل يبقى المطلق على إطلاقه ويعمل به كذلك، والمقيد على تقيده، ويعمل به كذلك أيضا.
وقد استدل العلماء لعدم حمل المطلق على المقيد في مثل هذه الحالة بأنه لا منافاة بين المطلق والمقيد حتى يحمل أحدهما على الآخر، فلو حمل يكون حملا بلا دليل موجب وذلك لا يجوز لمخالفة ذلك لما هو الأصل فيهما من بقاء المطلق على إطلاقه ما لم يقيده دليل، وبقاء المقيد على تقيده ما لم يطلقه دليل.
واستثنى العلماء من حكم هذه الحالة صورة يحمل فيها المطلق على المقيد رغم اختلاف حكمهما. وهذه الصورة تتمثل في أن يتوقف أحد الحكمين على الآخر ويتلازم المطلق والمقيد.