وهل يعلم هؤلاء الدعاة أن المرأة في أرقى دول أوروبا تشعر بالحاجة إلى حماية الرجل وقواميته عليها، ورئاسته ولا يغنيها عن هذه الحاجة مال ولا علم ولا شرف ولا حسب ولا منصب أبدا. ومما يحكى في هذا المعنى أن الملكة البريطانية العظيمة فكتوريا جاءت يوما إلى غرفة زوجها، فدقت الباب، فقال من بالباب؟ فقالت أنا الملكة، فقال: لا حاجة لي بالملكة، فانتبهت في الحين إلى خطئها وتلافته، فقالت افتح! أنا عزيزتك فكتوريا، فقال الآن أفتح.
وخضوع الأنثى للفحل أمر جعله الله في طبع كل أنثى من الحيوان الأبكم والناطق، ولا سبيل إلى إزالته عنها، لأنها لا تقدر أن تكون أنثى بدونه، كما جعل الله في طبعها الدلال والغنج أيضا، فهذان الخلقان معجونان في فطرتها.
هذا ولا تستغني المرأة عن حماية الرجل ولو في أرقى الأمم فقد أخبرتني (فراوزلي) في مدينة (بن) أنها حين كان زوجها في قيد الحياة، كان يجرعها غصصا، بسبب خليلة كانت له، ولكن بعد وفاته نسيت كل ذلك وحزنت على فراقه وقد ترك لها فراغا عظيما في كل شيء, حتى إنها إذا كتبت إلى شركة تطلب منها بضاعة تحذف آخر اسمها ليظن المكتب إليه أنها رجل فلا يتهاون بطلبها.
وأخبرتني أيضا أنه يأتي إلى بابها أحيانا بعض المساكين الذين يسألون الصدقة على الأبواب خلافا للقانون، فترحم السائل ولا تحب أن ترده، ولكنها تلقي إليه الفلوس من شق الباب، وتخاف أن تفتح له الباب، فيكون لصا في صورة سائل.
وكانت لي في برلين جارة لها ثلاثة أولاد صغار، فكنت حين أسمع صفارة الإنذار أسمع معه بكاء المرأة وأولادها! لأن عليها أن تملأ سطلا كبيرا تعده لإطفاء الحريق وتوقظ أولادها الثلاثة، وتلبسهم ثيابهم، وتأخذ لهم شيئا يأكلون وشيئا يشربون، لأن مدة الغارة قد تدوم ست ساعات أو أكثر، وفي ذلك الوقت - وهو من أول الحرب إلى سنة 1942 - كانت الغارات الجوية لا تأتي في الغالب إلا ليلا.