وبهذه المناسبة أذكر أن الغارات في أول زمان الحرب كانت قسمين: غارات روسية، وعلامتها أن تأتي بعد الغروب بنصف ساعة لقرب الروس، وهذه لم يكن الألمان يخافون منها، وأكثرهم لا ينزلون إلى الملاجئ وغارات إنكليزية، وهذه كانت تفتك فيهم فتكا ذريعا، وكان الألمانيون يحسبون لها حسابا وأي حساب.
قلت: إني كنت أسمع بكاء تلك الأم وأولادها، ولم يكن لها جار من الرجال غيري، فكنت آخذ أحد الأولاد في يدي وننزل الدرج، وفي أكثر الأحيان لم تكن الغارة الجوية تمهل هذه المرأة حتى تستعد للنزول، فكانت رعود الغارة والمدافع المضادة لها وبروقها تبتدئ قبل نزولنا، فكان هؤلاء المساكين يتوقفون مرتجفين عن عبور المسافة التي بين دهليز الدرج وباب السرداب لأن هذه المسافة مكشوفة تحت السماء بلا حاجب، فكنت أشجعهم حتى يعبروا، فإذا نزلت معهم أربع درجات من السرداب رجعت، لأني لم أكن أختبئ من أجل خصومة وقعت بيني وبين مراقب المخبأ, وفعلا وقعت القنابل على تلك الدار واحترقت الغرفة التي كنت أنام بها بما فيها، ولكن بعد خروجي من ألمانيا.
ولو ذهبنا نعدد الأدلة على حاجة المرأة إلى قوامية الرجل وحمايته لطال بنا القول.
وأما قساوة أرقى الأوروبيين من الأمم على النساء وعدم الرحمة والرفق بهن، فحدث عن البحر ولا حرج.
فمن ذلك أن العادة جارية عندهم بأن المرأة لا تقدر أن تتزوج حتى تحضر صداقا أقله خمسة آلاف مارك، وأكثره لا حد له، ومن أسعدها الحظ بالتزوج فعلى حسب مالها تقدر أن تجد زوجا ملائما لها، لأن الزوج لا يرغب في المرأة لجمال ولا لدين ولا لحسب، بل يقدم المال على ذلك كله.