فأنت ترى أن مثل هذا الحكم البربري وجد في العرب في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، والبشر هم البشر لا يمتاز شعب عن شعب إلا بأخلاق الأنبياء وعلوم المدنية، فمن جمع بين هذين جمع السعادة الكبرى.
والمقصود هنا أن الأوروبيين لم يتسامحوا في شأن النساء نتيجة لنهضتهم المدنية، وإنما ساروا - في هذه القضية - على نهج من قبلهم، وأقروه بالعمل عليه، وتأليف القصص التمثيلية وغيرها.
أما حرية المرأة فليست مرتبطة بهتك النساء، وسقوط عفافهن، فقد توجد حرية النساء مع تمام العفاف، وقد توجد عبودية النساء مع غاية التهتك.
ونحن وجدنا آباءنا الأولين الذين سادوا العالم علما وأخلاقا وحضارة ورقيا، وكنا لهم نحن شر خلف لخير سلف، فقد كانوا في قضية النساء على صراط مستقيم، فكانت المرأة عندهم عضوا حيا نشيطا تشاركهم في العلم والعمل في البيت وفي المزرعة وفي ميدان القتال، عليها حجاب يحفظ شرفها ومكانتها، ولا يمنعها من أخذ حقها إذا ظلمت، ولا من مشاركة الرجال في الأعمال السلمية والحربية عند الحاجة، ولذلك أدرك أسلافنا من المدنية أعلاها ومن الرقي ذروته رجالا ونساء، ولم يمنع أدب القرآن المرأة من الرقي، بل هو الذي أوصلها إلى أسناه مصونة العرض والعقل والشرف.