وأما آباؤنا المتأخرون فقد انحرفوا عن الجادة في الدين والدنيا وعلومهما فلما عجزوا عن إقامة صروح العفاف والأخلاق الكريمة, وتنفيذ حدود الشرع المحمدي العظيم، لجأوا إلى الاختفاء والفرار والاختباء، فغلوا في الحجاب حتى دفنوا النساء كما قلتم، ومنعوهن من الخروج، وإذا خرجن يفرضون عليهن ستر وجوههن إلا عينا واحدة أو نصف عين، وجعلوا أصواتهن عورة، وحديثهن مع الرجال وإن كانوا صالحين، وبحضرة محارمهن أو أزواجهن وقاحة، وزادوا على ذلك فقال بعضهم بمنعهن من القراءة والكتابة, فضاعت بذلك حقوقهن التي أعطاهن الشرع المحمدي كالميراث والبيع والشراء والشهادة والوكالة وسائر التصرفات, وصرن بالأموات أشبه منهن بالأحياء، بل تعدى الأمر إلى أن جرت العادة بدس البكر في ظلمات الخدور وحجبها حتى عن النساء، فلا تراها أعين والديها وإخوتها، وبطلت بذلك السنة المحمدية التي قال فيها الرسول الكريم عليه السلام: "إذا أراد أحدكم أن يتزوج امرأة فلينظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينهما" أي فإن ذلك أجدر أن يوقع بينهما الاتفاق إذا رأى كل منهما الآخر في غير ريبة ولا خلوة.
والجرائم التي وقعت بالغلو في الحجاب (على غير وجهه الشرعي) كثيرة ومشاهدة، وبذلك صارت حوادث التزوير تقع في الزواج فتكون عند الرجل ابنتان مثلا إحداهما جميلة والأخرى دميمة، فإذا جاء خاطب لا يعرفهما ولا تعرفهما العجوز التي تنوب عنه في الخطبة، وكانت الجميلة اسمها ليلى والدميمة اسمها دعد يوهمونها أن الدميمة هي الجميلة ويغالطونها فتقع الكارثة على رأس الرجل المسكين ويذهب ماله ضائعا.