ثم إن هذا التساهل في العرض الموجود عند الأوروبيين لم يكن ناتجا عن المدنية والرقي، بل لا علاقة له بهما أصلا، وإنما هي عادة ورثوها عن آبائهم في زمان جهلهم وهمجيتهم، كما يشهد ذلك تاريخهم، وكذلك بعض الأمم المجاورة للبحر الأبيض المتوسط من غير الأوروبيين، وهي قبائل البربر الذين ليس عندهم من الإسلام إلا اسمه، كآبن مكيلد، وآيت سخمان، واشقيرن، وآيت اسحاق، وآيت هودى وغيرهم، وهذه القبائل في الألوان وبرودة الدم مثل أهل شمالي أوروبة، والغيرة عندهم معدومة، حتى إني رأيتهم إذا وجد أحدهم مع زوجته رجلا يطلق رصاصة في الهواء، لا ليصيب أحدهما بأذى، بل ليعلن الأمر، فيجتمع الناس من كل حدب ينسلون، فيقول لهم الرجل: اشهدوا على فلان فقد وجده مع زوجته، فيقولون: سنشهد لك بما رأينا، فإذا اجتمع ملؤهم في الحي يدعو الزوج ذلك الرجل إلى المحاكمة، فيأتي ويحضر أمام شيوخهم، فيتهمه، ويحضر الشهود، فيشهدون، ومع ذلك كله يجحد المتهم ويقول: إنه لم يفعل شيئا، فيحملون عليه طبقا للعرف أن يدفع إلى الزوج ستة أريلة وكبشا، فيمعن المتهم في الإنكار والامتناع من أداء الغرامة، فيهم الزوج بقتله، فعند ذلك يجري الناس في الصلح بينهما، فيترك الزوج إحدى الغرامتين، إما الكبش وإما ستة أريلة.
وما لنا نذهب بعيدا، فقد جاء في صحيح البخاري أن رجلا كان عنده غلام عسيف أي أجير، فزنى هذا الغلام بامرأة مخدومه، فسأل الرجل بعض الناس ممن ظن أن عندهم علما، فأفتوه أن على الغلام أن يدفع لزوج المرأة مائة شاة، فدفعها أبوه عنه, ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بالقصة، فخطأهم النبي صلى الله عليه وسلم في حكمهم وقال: "أما الغنم فهي رد على أبي الأجير وأما الأجير فعليه جلد مائة وتغريب عام", وأما المرأة فبعث إليها النبي صلى الله عليه وسلم رجلا اسمه أنيس وقال: "أغد عليها فإن اعترفت فارجمها".