2- ولعلك قد لحظت أيضا أن صيغ الاستفهام نفسها كانت متقاربة جدّا في الألفاظ والتراكيب والأسلوب والمعنى، ولكنك إذا نظرت إلى السياق الذي سيقت فيه، وإلى المورد الذي أوردته وجدت أن كل استفهام كان جديدا بما يصحبه من آيات تتضمن الدليل على قدرة الله تعالى، وآيات تتضمن العقاب الذي سوف يلاقيه هؤلاء المنكرون، ومن قسم يقسمه الله عزّ وجلّ على تقرير البعث وتأكيد وقوعه.
3- ولما كان إثبات البعث من المقاصد الأولى للقرآن الكريم، وكان منكروه كثيرين على تعاقب الأجيال والقرون، لما كان ذلك كذلك جاء ذكره في القرآن الكريم كثيرا ليقرر صحته ويقيم الدليل عليه، وليكفّر من لم يؤمن به، ولينذرهم عذابا أليما.
4- كثيرا ما ينهج الأسلوب القرآني منهج التصوير الحسي في التعبير عن المعاني ليعطيها دقة وعمقا وشمولا وقوة دلالة ورسوخا في النفس أكثر مما تعطيه الألفاظ والكلمات ذوات الدلالات المباشرة.
ومما جاء في آيات هذه الرسالة من هذا الأسلوب هذه الصورة الحسية التي يكون عليها المكذبون بالبعث يوم القيامة: {وَأُولَئِكَ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} .
لقد كانت هذه الأغلال التي في الأعناق أفصح وأقوى دلالة وأبعد تأثيرا في النفوس من تلك الكلمات التي تدل دلالة مباشرة من مثل أذلاء أو محتقرون.
ثم انظري إلى صورة حسية ثانية يكون عليها المكذبون بالبعث: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً} .
هذه الصورة الحسية التي يحشرون عليها تجعل ما كانوا فيه من الويل والعذاب والخوف والرعب والحيرة والذهول والقلق، تجعله (مُجسّماً) تراه العينان فترتعد له الفرائص وتجف له القلوب ويذهب في أعماق النفس يغالب النسيان دهرا طويلا.