وإن هذه الصورة الحسية لتذهب بالخيال كل مذهب في تصور شقاء هؤلاء المجرمين المسحوبين على وجوههم وقد سلبت منهم كل حاسة يمكن أن تخفف عنهم ما هم فيه، وأُبقيت لهم الحاسّة التي تُحسِن تذوّق العذاب وتَحسِّي الألم.
ثم تعالي إلى صورة ثالثة ورابعة يحشر عليهما المكذبون المنكرون للبعث: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً} أين أنت أيتها الألفاظ التي تسطيعين أن تعبري عما تعبر عنه هذه الصور! المفزعة المروّعة صورة الحشر مع الشياطن، إن هذه الصورة لتنقل السامع إلى عالم غير محدود من الخوف والرعب والفزع يعجز عن وصفه اللفظ، وتقصر دون بلوغه العبارة.
وانظري إلى هذه الصورة الرابعة: {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً} هذا
الحضور- وهم جاثون على ركبهم وأمام أعينهم نار جهنم تتلظى- صورة يتجلى فيها الذل والهوان والاحتقار والصغار والخوف والرعب والفزع، صورة تظل قائمة نُصب الأعين لا تغيب، راسخة في الأذهان لا تمّحى، وهيهات هيهات أن تغنى غَناءها الألفاظ، أو أن تسدّ مسدّها العبارة.
أختي العزيزة:
البلاغة القرآنية لا تفنى ولا تنفد، ولا تنتهي عند حد، ولكن رسائلي إليك لها نهايات تنتهي إليها، وقد آن لهذه الرسالة أن تنتهي.
أسأل الله تعالى أن يعين على رسالة قادمة أحدثك فيها عن همزة الاستفهام الداخلة على "لو"الشرطية، وعلى "كلّما" و"لمّا"الشرطيتين، وأسأله تعالى أيضا أن يوفقني إلى ما فيه الخير والنفع والسداد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أختك
همزة الاستفهام
مراجع هذه الرسالة الرابعة عشرة
أ- المراجع على وجه الإجمال:
1 - تفسير أبى جعفر بن جرير الطبري- الطبعة الثالثة- الناشر: شركة الحلبي