وقد جاء هذا الاستفهام: {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ} جاء مفيدا الاستهزاء والإنكار والتكذيب والتعجب والاستبعاد, كان قرين السوء بهذا الاستفهام يستهزئ بالبعَث والحساب والجزاء، وبصاحبه الذي آمن بذلك كله، وأفاد هذا الاستفهام أيضا أن ذلك القرين قرين السوء كان منكرا للبعث والحساب والجزاء مكذّبا به، يعجب كل العجب أن يقع، ويستبعد كل الاستبعاد أن يكون.
الآية الحادية عشرة: في قوله تعالى: {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} . الآيات: (2-4) من سورة ق.
تتضمن هذه الآيات الكريمة عَجَبَ كفار قريش أَنْ جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم رسولا منذرا يخوفهم بالبعث وما يعقب البعث من حساب وعقاب، وهو رجل منهم قد عرفوا صدقه وأمانته وإخلاصه في النصح وحرصه على ما ينفع الناس، هذا مع اعترافهم بقدرة الله تعالى على خلق السماوات والأرض وما بينهما وإقرارهم بخلقه تعالى إياهم أول مرة.
لقد كان عجبُ كفار قريش- وهذه حالهم وحال الرسول صلى الله عليه وسلم بينهم- بعيدا عن مواطن العجب وما ينبغي أن يكون.
لقد كفروا حين أنكروا ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من بعث وحساب وعقاب، وكذّبوا به واستبعدوه وقالوا هذا شيء عجيب، أإذا متنا وكنّا ترابا أنبعث أحياء كما كنا؟! هذا رجع لا يمكن وهيهات هيهات أن يكون!!.
وقد ردّ الله سبحانه وتعالى على استبعادهم هذا الرجع بأنه عالم بما تنقصه الأرض من أجسامهم وتأكله من لحومهم وتبليه من عظامهم، وعنده كتاب حافظ كل شيء لا يضل ولا ينسى، ومن كان عالما بذلك كان قادرا على رجعهم أحياء كما كانوا.