غير أن الشيخ أبا حيان في تفسيره البحر المحيط [14] ردّ هذين الوجهين من الإعراب: فقد ردّ الوجه الأول وهو العطف على محل إن مع اسمها بأنه على خلاف مذهب سيبويه، وردّ الوجه الثاني وهو العطف على الضمير المستتر في مبعوثون بأن همزة الاستفهام لا تدخل إلا على الجمل، وهذا العطف يجعلها داخلة على مفرد. ووجه الإعراب عنده أن (آباؤنا) مبتدأ خبره محذوف تقديره مبعوثون، ويدل عليه ما قبله.
الآية العاشرة: في قوله تعالى: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} .
الآيات (50-57) من سورة الصافات.
تتضمن هذه الآيات الكريمة أنّ مما يتمتع به أصحاب الجنة في الجنة أن يقبل بعضهم على بعض فيأخذوا بأطراف الأحاديث فيما بينهم، يتذكرون أحوال الدار الدنيا وما كان قد حدث لهم فيها، وكان من ذلك أن قال قائل منهم: "إني كان لي مصاحب في الدنيا يقول لي منكراً هازئاً بي وبإيماني بالبعث والحساب: أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون أحياء فمحاسبون على أعمالنا فمجازون عليها؟! ".
ثم قال لأصحابه وجلسائه الذين كانوا يتساءلون في الجنة: "ألا تطلعون لنرى ماذا كان مصير ذلك القرين؟! فاطلعوا واطلع فرآه في وسط الجحيم يقاسى العذاب الأليم، فقال له شامتا: تالله إنْ كدت لتهلكني بإغوائك، ولولا نعمة ربي علّي بالهداية والإيمان لكنت مثلك من المحضَرين هذا العذاب الذي أنت فيه".