ومادام القرآن قد تفرد بهذه الصفات العظيمة فإن ما جاء فيه من قصص الأولين أمما وأفرادا، تاريخ لا يتطرق إليه الشك، وإن هدف من ذلك إلى الاعتبار والاتعاظ عسى أن يتطهر الناس من الأرجاس والفساد [58] . فضلا عن أن الله سبحانه وتعالى اتخذ من أنباء الغيب وأخبار الرسل والصالحين من عباده وأحاديث الأقوام الغابرين وسائل لشرح عقيدة التوحيد التي هي جوهر الدين، وما لقيه الأنبياء والمرسلون في سبيل بيان هذه العقيدة للناس من العنت والمتاعب والبلايا [59] ولا ننسى أن في قصص الأنبياء، وما لاقوه من إيذاء أقوامهم، وما تم لهم من نصر الله تعالى، تثبيتا للنبي محمد- صلى الله عليه وسلم -، وتسرية عنه، وتأكيدا له أن نصر الله قريب [60] .
ولعله من الأوفق أن أشير هاهنا إلى الاختلاف بين القرآن والإنجيل فما يتعلق باحتواء الكتابين المقدسين على التاريخ. فالإنجيل يحوى بين دفتيه قسما يسمى "الأسفار التاريخية"، وهي خمسة أسفار تشتمل على قصص تاريخية منها قصة حياة المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، وتاريخه وعظاته ومعجزاته. وثمة سفر أطلق عليه "رسالة أعمال الرسل"وتشمل قصص معلمي المسيحية لاسيما بولس [61] . أما القرآن، وإن لم يكن كتاب تاريخ، إلا أن الأحداث التاريخية التي تضمنتها قصصه إن هي إلا وقائع تاريخية لا ريب فيها، ويستحيل ألا يتفق معها التاريخ الصادق الذي كتبه الثقات من المؤرخين. وآية ذلك أن علم القرآن "يقيني" في حين أن علم البشر لاسيما في مجال التاريخ علم "ظني" [62] .