لقد كانت خطة الإمام عبد العزيز منذ تولى إمارة الرياض، أن ينفذ حكم الله في كل من خرج على حدوده، فَكان يتتبع الجرائم الكبيرة بنفسه، ويتعقبها، ويحث جهات الاختصاص على رفع نتائج الحوادث وتطورها إليه أولا فأولا، ويصدر أوامره بشأنها، ويشفع كل ذلك بالحزم والدقة حتى تنكشف الجناية، وكان إذا عرضت عليه قضية درسها من جميع الوجوه بما له من علم ومعرفة وخبرة وذكاء مبينا ما جاء في الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين ثم يصدر حكمه.
وكان كثيرا ما يقرأ ظروف وملابسات كل قضية يطلب منه التصديق عليها، وقد يعيد الحكم فيها، من ذلك ما رفع إليه من قضية طُلِبَ منه التصديق على حكم أصدرته إحدى المحاكم الشرعية، بإعدام جندي قتل زوجته وجنديا آخر، وكان تنفيذ الحكم معلقا على موافقة الإمام.
درس - رحمه الله- القضية، فظهر له أن الزوجة كانت قد غابت عن بيتها أياما، وبحث عنها زوجها فوجدها عند أحد الجنود، فأطلق عليها الرصاص وسألته المحكمة، فأقر بالقتل، ولم يحسن الدفاع عن نفسه فحكمت المحكمة بإعدامه.
ولم يكد ينتهي من القضية، حتى دعا رئيس المحكمة إليه فقال له:
"ألم تقرأ الحديث الذي فيه "إنني أغيركم، والله أغير مني"" [16] .
ثم أطلق القاتل لأنه كان يدافع عن عرضه. وهذا من توفيق الله [17] .
ولما اتسعت البلاد، جعل لكل ناحية أميرا، وكان على كل أمير أن يجمع رؤساء القبائل والعشائر، ويؤمنهم على أنفسهم ومعيشتهم، ويشترط عليهم أن يكونوا قادرين على حفظ الأمن في حدود أراضى قبيلتهم، وكل حادثة تحدث في منطقة أحدهم يكون مسئولا عنها هو وقبيلته، سواء أكانت بين بعضهم أو حوادث لأجانب من التجار أو الحجاج أو غيرهم.