1ـ ذهب الجمهور ومنهم الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد إلى وجوب الحداد على الكتابية, وقد استدلوا لذلك بأدلة بيانها كالآتي: العمومات التي تفيد وجوب الحداد على الكتابية لأنها من جملة النساء, والأحاديث لم تفرق بين ما إذا كانت المرأة مسلمة أو كتابية, وإخراج الكتابية من هذا العموم يحتاج إلى دليل, ولا دليل عليه, ومن ادّعى خروج الكتابية فعليه الدليل, أضف إلى هذا أن الكتابية زوجة وقد أوجب الله تعالى العدّة على الزوجات من غير تخصيص. يوضحه قوِله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} فهذا إيجاب من الله تعالى العدة على الزوجات من غيرفرق ولا تجب عدة الوفاة إلا حيث يجب الحداد؛ لأن الحداد حق للزوج فهو يلتحق بالعدة في حفظ النسب فتدخل الكافرة في ذلك بالمعنى كما دخل الكافر في النهي عن السوم على سوم أخيه [27] .
فإن قيل كيف يكون الحداد واجباً على الكتابية وقد شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوبه الإيمان بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله أن تحد..". فهذا دليل على عدم وجوبه على الكتابية؟ قيل الجواب عن ذلك من أوجه:
أـ أن شرط الإيمان إنما ذكر تأكيداً للمبالغة في الزجر فلا مفهوم له كما يقال هذا طريق المسلمين وقد يشاركهم غيرهم [28] .
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم مجيبا عن هذا الاعتراض ومبيِّناً أنه لا دليل فيه "وأن المؤمن هو الذي يستثمر خطاب الشارع وينتفع به وينقاد له فلهذا قُيّد به" [29] . أضف إلى هذا أن السبكي نقل في فتاويه عن بعضهم أن الذمية داخلة في "تؤمن بالله واليوم الآخر" [30] .
ب ـ أنّ الحداد حق للزوجية على ما بيّنا فهو ملتحق بالنفقة والسكن فكما أن الزوج تجب عليه نفقة زوجته وسكنها فكذلك يجب على الزوجة الحداد على زوجها [31] .