أما المنقول فهو العمومات التي تفيد إيجاب الإحداد على المرأة المتوفى عنها زوجها من غير فرق بين ما إذا كانت كبيرة أو صغيرة من مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميّت فوق ثلاثٍ إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً". وقد ذكرنا طرفا من هذه العمومات عند الكلام على الفصل الثاني وهي قاضية بوجوب الحداد، شاملة بعمومها لكل أحد وإخراج الصغيرة من هذا العموم يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه.
وأما استدلالهم بالمعقول فمن وجوه:
أـ إنّ العدة تجب على الصغيرة اتفاقاً فإذا كان الأمر كذلك فإن الحداد يجب عليها لكونه حُكماً من أحكام النكاح فهو يشترك مع العدة في ذلك بالإضافة إلى ما فيه من إظهار التأسف على فراق الزوج، ونحن نعلم يقينا فراغ رحم الصغيرَة ومع ذلك وجبت العدة عليها. فالعدة إنما وجبت عليها لحق الشرع لأن فراغ رحمها من ماء الزوج أمر مقطوع به ومع هذا وجبت عليها العدة فكذلك الحداد يجب عليها.
ب ـ إن الصغيرة يحرم العقد عليها بل تحرم خطبتها مادامت في العدة وهذا المعنى يوجد في حق الكبيرة فظهر أنهما يشتركان في حكم الحداد أيضا [22] .
ج ـ إنّ غير المكلفة تساوي المكلفة في اجتناب المحرمات كالخمر والزنا، وإنما يفترقان في الإثم [23] فإذا كان الأمر كذلك فإنّ ترك الحداد فعل محرم والصغيرة ممنوعة من ذلك ويكون المنع إلى وليّها بمعنى أنه لا يمكنها من ترك الحداد كما أنه لا يمكنها من ترك العدة فتحريم الطيب وسائر أنواع الزينة عليها إنما هو لحق الشرع، فالشرع هو الذي منعها من ذلك، والغرض من هذا هو إظهار حق الزوج وهذا المعنى يستوي فيه البالغة وغيرها.
وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى عدم وجوب الحداد على الصغيرة وجعلوا ذلك مخصوصا بالمرأة البالغة، وإنما قالوا بذلك لما يأتي [24] :