لقد كان من المتعارف عليه أنهما من نجد، وأن جبل (حَضَن) هو الفاصل بين نجد والحجاز, وأنه يبعد عن القريتين بمسافة قدرت بسبعين كيلومترا بالنسبة لتربة، وبخمسين كيلو بالنسبة للخرمة، وأنّ البلدين وعربانهم حنابلة المذهب من زمن بعيد، وأنّ كثيراً من تجار نجد يعيشون بين ظهرانيهم، كذلك ما يزال ولاؤهم لآل سعود قائماً منذ زمن بعيد. ولما لم تنفع المكاتبات، ولم تغن الوساطات، ولم يجد الشريف ملاينة من الإمام عبد العزيز، وقد استقل الشريف بالحجاز، وطرد الأتراك، وأصبح يتمنى حكم الجزيرة كلها عزم على غزو نجد مبتدئاً بتربة والخرمة، وهو يعتقد أنه سيفتحهما، بعد أن تكتسح جيوشه كل من يقف أمامه. ومما تجدر الإشارة إليه ما حصل بين خالد بن لؤي أمير الخرمة والذي يعتبر عاملا من قبلِ الشريف على هذه الجهة وبين ابن الشريف الأمير عبد الله بن الحسين، وكان بالعيص قريباً من المدينة المنورة بعد أن اشترك مع الأمير عبد الله في القضاء على الحكم التركي بالمدينة المنورة، فقد ضرب خالداً على وجهه أحدُ المقربين إلى الأمير عبد الله هو فاجر بن شليويع أحد شيوخ الرقة، فاشتكى خالد إلى الأمير، ولكن الأمير لم يهتم كثيراً لخالد، لحاجة في نفسه, وكل ما فعله أنه حبس فاجراً ثم أطلق سراحه بعد أيام.
لم يرض خالد عن هذا الحكم، ولما خاطب الأمير في ذلك لم يأبه به، فغضب خالد، واستأذن على خلاف المعهود في الرحيل، فأذن له غير مكترث به، ولا بما سيتم عليه الأمر، ورجع خالد إلى الخرمة [12] .
إن آثار هذه الحادثة البسيطة كانت السبب في تغيير مجرى الحوادث، ولا نكون مبالغين إذا قلنا إنها غيرت وجه التاريخ، فبمجرد أن وصل خالد إلى موطن إقامته، وثق علاقته مخلصا بالإمام عبد العزيز، وقد كان على علاقة طيبة به، إذ كانت تجمعهما وحدة المذهب ويرى أنه من رجاله, وربما كانت هذه من الأسباب التي أوغرت صدر الأمير عبد الله.