{رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} . (إبراهيم: 35) .
وكان ذلك في أرض الحجاز حيث البيت العتيق. والحرم الآمن، وحيث يجب أن تقام شريعة الله، وتنفذ حدوده، والله أشد غيرة من أحدنا على حرماته، ولكن الله يؤخر، ويممهل ولا يهمل.
لقد ظلت حدود الله معطلة زمنا طويلا، وشرائعه مستباحة، والمكان الطاهر مسرحاً للمساومة والمزايدة، والنهب والسلب في كثير من الأوقات, تقام فيه البدع والمنكرات، ويساق الناس وكأنهم قطعان ماشية، وكأنما هذه الأرض الطاهرة ما هي إلا ضيعة لفئة من الناس بلا وازع، فليس لهم -كما يقال- من الإسلام إلا اسمه، ولا من الدين إلا رسمه؛ والدليل القوي على ذلك قانون (أبو نمى) وهو الدستور الذي كانت تسير عليه الأمة في الحجاز في معاملتها مع السادة الأشراف، فشرعت قوانينه لأشراف الحجاز، وضعه (أبو نمى) الذي تولى إمارة مكة سنة 932هـ، وظل يعمل به إلى أن قضى عليه الإمام العادل عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، حينما طهر الأرض المقدسة من الرجس والآثام.
إن قانون (أبو نمى) يمثل أفدح الظلم في أطهر بقعة على وجه البسيطة، وهو بعيد كل البعد عن التشريع السماوي، ولم يسمع بمثله إلا في العصور الوسطى، ومحاكم التفتيش.
يقول حسين محمد نصيف:
"وهذا القانون على ما أعتقد لم يوضع أقسى ولا أظلم منه, وإذا بحثنا عن معنى الظلم في أي قاموس، فلا نجده وافياً بمعناه الحقيقي إلا في هذا القانون" [11] .