وفجأة وبدون تدخل من البشر، والليل حالك الظلام، والنجوم ترسل شعاعاً خافتاً على الرمال، والبصر محدود الرؤيا، والحرس يضعون أيديهم على الزناد استعدادا لإخراج الطلقات، وعين الله الحارسة تتولى الأمور، وتصرفها كما يشاء لها رب الكون، وفجأة يحدث ما لم يكن في الحسبان، ولم يخطر على بال إنسان، وما أراه إلا من صنعِ الله العلي القدير. لقد ركب ابن الرشيد فرسه، وراح يدور في معسكره مستنهضاً همم القوم ممن معه، ومحرضاً للضرب والنزال، يجري هنا وهناك، حتى وصل إلى المكان الذي كان له فيه فرقة من جنوده، ظن أنها لا تزال هناك، وأنسي أنها تراجعت، وتركت مكانها لجيش الإمام عبد العزيز.
صاح بحامل البيرق يحرضه على الهجوم، وما حسب أنه بين القوم الذين يحرض عليهم، ويدبر لهم الشر، ويبتغي الغلبة عليهم.
كان يصيح باسم حامل البيرق، وعرف رجال الإمام الصوت، وعرفوا أنه ابن الرشيد، فصوبت عليه البنادق، ونفذت إرادة الله, وحمل سيفه وخاتمه إلى الإمام [10] .
أما الإمام عبد العزيز آل سعود فكان حينما يبشر بنصر من الله سبحانه وتعالى يخر ساجداً، ويطيل التضرع والدعاء، حامداً شاكراً فضله سبحانه على ما أولاه من نصر وتأييد، وبهذا قُضي على أكبر قوة كانت أمام الإمام رحمه الله.
لقد شمل تأييد الله جل وعلا لعبده عبد العزيز رحمه الله في كل ما دخل من معارك، وإن كان قد خف أوارها في ملحقات الرياض، رغم تشعبها وكثرتها، إلا أنها كانت تنتهي دائماً بنصر من الله، وفي النهاية الاستقرار والهدوء.
وشاء الله أن ينتقل الصراع من نجد إلى الحجاز، وكأن ما حدث ما هو إلا مقدمة لتنفيذ إرادة الله، حتى يوفي سبحانه وتعالى بوعده، فيستجيب دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام كلما اشتد البأس، وانعدم الأمن والطمأنينة بأرضه المقدسة.