ثم هذه الإلياذة الإسلامية كما سماها (محرم) لا تتناول حرباً واحدة من حروب الرسول، وإنما تتناول مجموعة كبيرة من حروبه، وهي تقف عند كل حرب فتعرضها علينا عرضا تاريخياً صادقا ما أمكن، فيكون تاريخ ولا يكون شعر، ولا يكون شاعر له انطلاقاته الواسعة، ومن أين يكون الشعر والشاعر وقد حدد نفسه بحقائق التاريخ يحصيها في إيجاز بالغ، حتى لكأنه يؤلف متنا من متون التاريخ، فلا شرح ولا حاشية من خيال وحلم يمثل لنا مشاهد الموقعة وكأنها تبعث من جديد بتفاصيلها، إنما هي المشاهد نفسها تصاغ من جديد".
ثم في معرض المقارنة بين (الإلياذة) لهوميروس، وديوان مجد الإسلام للشاعر أحمد محرم يقول الدكتور شوقي ضيف: "وهذا هوميروس لم ينظم الآلاف المؤلفة من إلياذته في حرب طروادة كلها التي ظلت عشر سنوات طوالا، وإنما نظمها في حوادث سنتها الأخيرة، وأفسح لخياله في العدو والانطلاق، فإذا هو يعطينا هذا العمل الخالد، ولست أقصد الحقيقة التاريخية كما هي، وإنما أقصد حقيقة فنه التي لا تنحرف بالتاريخ ولا تختلف معه، ومع ذلك فهي أروع منه ومن حقائقه الجافة.. وهل من شك في أن (إلياذة) محرم جافة جفافا شديداً وأنه لم يستطع أن يدخل على التاريخ المرقم في سيرة الرسول الزكية حياة وجمالا؟.. أنها لا تزال كما هي في كتب السيرة، لولا أن خصائصه كشاعر غنائي تظهر من حين إلى حين، ولكن الكثرة يظل فيها التاريخ ويظل فيها الإحصاء، وتظل الأرقام، يظل كل ذلك كما هو بدون أي تعديل أو اختلاف " [9] .