لقد عاش الملك عبد العزيز في الصحراء، وتعلم في البيئة والبادية، وعاش الأحداث الجسام، لكنه كان يزن كل ما عرفه بميزان ما تعلمه من الشريعة الغراء، وإخضاع كل الحوادث لما عرف وتعلم من مدرسة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ولم يذهب إلى الشرق أو الغرب، لكنه أدهش الناس بتفكيره وآرائه.
قال الدكتور فون:
"وقد اتضح لي أن ابن سعود يشبه الساسة الإنجليز كثيرا في سياسته وخططه، فهو مثلهم لا يضيع الوقت بإعداد النظريات ورسمها، لكنه يصبر متحينا الفرصة إلى أن تسنح فينتهزها".
وقال أيضا:
"وفي ابن سعود ميزة أخرى هي أنه كريم صادق، وحادثته مرتين في شئون مختلفة، كان بعضها دقيقا جدا، فلم الحظ قط أنه يلبس الباطل ثوب الحق".
"نعم كان سياسيا أحيانا في أجوبته، فلا يقول كل ما يعرفه، ولكنه لم يتلفظ بكلمة واحدة غير صادقة".
ويكمل الرجل الألماني حديثه فيقول:
"والظاهر أن هذا شأنه مع الجميع، فإني لما قابلت القناصل في جدة، قالوا لي: إذا قال لك ابن سعود شيئا، فثق أنه يقول لك الحقيقة التي لا تشوبها شائبة" [16] .
والفضل ما شهد به الأعداء.
أما الإمام - رحمه الله - فقد قال، وعمل بما قال، وكان يعرف جيدا أن مقت الله وغضبه على المؤمن أن يقول ما لا يفعل، وكان يعي قول الحق سبحانه وتعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} . (الصف: 2-3) .
قال رحمه الله:
"أنا ترعرعت في البادية، فلا أعرف آداب – تنظيم - الكلام وتزويقه، ولكني أعرف الحقيقة عارية من كل تزويق".
"أنا لست من رجال القول الذين يرمون القول بغير حساب، فأنا رجل عمل إذا قلت فعلت، وعيب علي في ديني وشرفي أن أقول قولا لا أتبعه بالعمل، وهذا شيء ما اعتدت عليه ولا أحب أن أتعوده أبدا" [17] .