أولاً: إنهم حددوا طرق الإثبات وجعلوها في أدلة معينة , ولكنهم لم يجدوا من سلطة القاضي في تقدير الأدلة كما فعل أنصار المذهب المقيد. وبذلك لم يجعل الفقهاء وظيفة القاضي آلية لا أثر لها في تقدير الأدلة, فللقاضي عند جمهور الفقهاء أن يقضي بغير ما أجمع عليه الشهود إذا ظهر الحق من طريق غيرهم , ومن ذلك قالوا: لا تحد المرأة إذا شهد عليها أربعة بالزنا وظهر أنها بكر [10] .
ثانياً: إنهم أعطوا القاضي سلطة تقدير القرائن. هذه السلطة وإن كانت تضيق في مجال الحدود , إلا أنها تتسع في غيرها من الدعاوى الجنائية , كما تتسع في دعاوى المعاملات المالية. وسيتضح هذا القول عند كلامنا عن القرائن إن شاء الله. وسلطة تقدير القرائن هو ما نميز به المذهب المختلط.
ثالثاً: إنهم لم يجيزوا للقاضي ان يقضي يعلمه الشخصي , وهذا ما تميز به المذهب المختلط.
رابعاً: قالوا: إنه لا يلزم الأمر باستشهاد رجلين أو رجل وامرأتين في الديون وقت التحمل ألا يحكم القاضي بذلك الدين. فإن ثبت من طريق آخر كالنكول , أو شاهد ويمين المدعى قضى به [11] .
ولا شك أن هذا مزج بين تحديد الأدلة وحرية القاضي في تقديرها , كما أنه تخفيف لمضار تقييد الإثبات , وهو ما لجأ إليه أنصار المذهب المختلط.
خامساً: إنهم جعلوا الشهادة حجة فيما قامت عليه مهما كان المدعى به، ولم يقيدوها بقدر معين كما فعل بعض القانونيين من أنصار المذهب المختلط [12] .
وهذا يدل على أن بعض القوانين التي أخذت بالمذهب المختلط أشد تضييقا من الفقه الإسلامي , لأن القاضي في هذه القوانين لا يحكم بشهادة الشهود إذا جاوز الحق المدعى به القدر الذي حدده القانون , ولو اعتقد القاضي صحتها وصدقها فيما قامت عليه.