ثالثاً: إجازته للقاضي أن يقضي بالفراسة بالرغم من استتار خطوات الاستنتاج فيها , وأن الدليل المأخوذ منها غير معروف لغير القاضي. وستعرض رأي ابن القيم في الحكم بالفراسة بشىء من التفصيل إن شاء الله.
رابعاً: يقول في اعلام الموقعين: "فإذا ظهرت أمارات الحق , وقامت أدلة العقل وأسفر صبحه بأي طريق كان , فثم شرع الله ودينه ورضاه وأمره. والله تعالى لم يحضر طرق العدل وأدلته وأمارته في نوع واحد وأبطل غيره. فأي طريق استخرج بها الحق ومعرفة العدل وجب الحكم بموجبها ومقتضاها. والطرق أسباب ووسائل لا تراد لذواتها , وانما المراد غاياتها التي هي المقاصد " [8] .
فأنت ترى صراحة نصه على عدم التقيد بطريق محدد للإثبات , فأي سبيل يبين به وجه الحق يكون دليلاً معتبراً مادام قد كشف للقاضي وجه الدعوى.
وبناء على هذا القول الذي يقضي بعدم حصر أدلة الثبوت عنده , فقد ذكر في كتابه الطرق الحكيمة كثيرا من طرق القضاء التي يخالفه فيها كثير من الفقهاء كالقرعة , وشهادة الكفار , والفراسة , وغيرها
مذهب جمهور الفقهاء:
أما بالنسبة لجمهور الفقهاء وما اتجهت إليه أنظارهم في الإثبات , فيرى بعض فقهاء القانون المصرى أنهم أخذوا بمذهب الإثبات المقيد نظراً لما رآه منهم في تحديد الشهادة تحديداً دقيقاً , وجعلها مراتب مترتبة , والتزامهم بهذا التحديد [9] .
وفي نظري أن هذا القول ليس بصحيح , فالفقهاء لم يأخذوا بمذهب تقييد افثبات على ما هو عليه عند أصحابه , إنما القول بأنهم أقرب إلى المذهب المختلط هو الصواب عندي , علما بأن نظرة الفقه الإسلامي للإثبات نظرة متميزة لم يكن همها أن تكون ضمن أي من المذاهب المذكورة.
ونرى ان الفقه الإسلامي كان قريباً من المذهب المختلط للأسباب الآتية: