ووجه من أوجب الكفارة، أن المسافر كان مخيراً في الصوم والفطر، فلما اختار الصوم وترك الرخصة، صار من أهل الصيام، وعلى ذلك فيجب عليه ما يجب على أهل الصيام من الكفارة [39] .
وقد استدل الحنفية والمالكية، بقوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (سورة محمد الآية رقم 33) فالمسلم الذي اختار أن يعمل عملاً من أعمال العبادة وابتدأه بالفعل، فيجب عليه أن يتمه.
لكنه قد نقل عن ابن عبد البر قوله: من احتج في هذا بقوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} فهو جاهل بأقوال أهل العلم، فإن الأكثر على أن المراد بذلك: النهي عن الرياء، كأنه قال: لا تبطلوا أعمالكم بالرياء بل أخلصوها لله وإن كان هذا القول من ابن عبد البر رحمه الله ليس بلازم، إذ عموم اللفظ يتناول إبطال العمل بالرياء، كما يتناول إبطاله بنية إلغائه ونقضه، والعبرة بعموم الألفاظ في النصوص التشريعية إلا لقرينة تفيد التخصيص.
والمختار من هذه الآراء، هو رأي من يقول بجواز الفطر لمن كان عزم على الصيام من طلع الفجر سواء كان ذلك بعذر أم لا وذلك لأن الاستدلال بقوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} فهو وإن صلح باعتبار عموم اللفظ إلا أن حديث ابن عباس رضي الله عنهما يعتبر نصاً خاصاً وارداً في الموضع فيرفع النزاع ويكون مخصصاً للعموم المستفاد من الآية إن قلنا بشموله لمسألة البحث. والله أعلم.
احترز من عدوين هلك بهما أكثر الناس:
صاد عن سبيل الله بشبهاته وزخرف قوله
ومفتون بدنياه ورئاسته [40]
--------------------------------------------------------------------------------
[1] المجموع ج6 ص20، شرح عبد الباقي على مختصر خليل ج2 ص213، دار الفكر والأم للشافعي ج2 ص87، دار الشعب بالقاهرة.
[2] المجموع ج6 ص214.