إذا أخذ المسلم بالعزيمة وصام من بداية سفره أو من بعض مراحل الطريق ثم بدا له في يوم ما وهو صائم أن يفطر في أثناء النهار، فقد أجاز له الشافعي وأحمد الإفطار بلا أدنى حرج عليه. وعليه أن يقضي هذا اليوم بيوم آخر بعد انتهاء السفر [37] وذلك أخذاً بحديث ابن عباس المتقدم "سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فصام حتى بلغ عسفان ثم دعا بإناء فيه شراب فشربه نهاراً ليراه الناس ثم أفطر حتى دخل مكة".
ووجه الاستدلال من الحديث واضح، فرسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدأ يومه صائماً ثم أفطر في أثناء نهار ذلك اليوم وقد جاء في بعض الأحاديث المتقدمة أن ذلك كان بعد العصر.
وقال الحنفية: لا يجوز له الفطر ابتداء ولكن لو أفطر، فلا كفارة عليه لأن السبب المبيح- من حديث الصورة- وهو السفر قائم فأورث شبهة، وبها تندفع الكفارة.
وقد أجابوا عن فطره صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي كان صائماً فيه والذي أشرنا إليه في حديث ابن عباس السابق، بأن الجائز أن يكون صلى الله عليه وسلم علم من نفسه بلغ الجهد الشديد من الصيام في هذا اليوم، إلى الحد الذي إذا وصل إليه الصائم المقيم أبيح له الفطر [38] .
وهذا تأويل بعيد لأن بعض الروايات تفيد أنه صلى الله عليه وسلم طلب من أصحابه الفطر على أن يستمر هو صائماً وقال: "إني أيسركم إني راكب، فلما أبوا نزل وشرب ما كان يريد أن يشرب". وقد تقدم هذا الحديث بكامله، وهو واضح في رده على تأويل علماء الحنفية لمدلول حديث ابن عباس.
أما المالكية: فقد حكى الزرقاني، وجوب الكفارة على من نوى الصيام في يوم سفره، ثم أفطر بعد ذلك في نفس اليوم.
وحكى ابن يونس في المسألة قولان، أحدهما بوجوب الكفارة، والآخر بوجوب القضاء فقط.