فلم تكد تغلق الحانات القانونية العلنية في البلاد بجانب حتى انفتحت فيها بجانب آخر آلاف مؤلفة من الحانات السرية، ثم كثر تردد الصغار من أبناء الأمة وبناتها إلى هذه الحانات وغلت أثمان الخمر غلاء فاحشا _ والذي قدر على أقل التقدير أنه بلغ عدد شاربي الخمر بعد التحريم عشرة أضعاف ما بلغه قبله _ وصارت الخمر المستعملة سراً في كيفيتها أردأ نوعاً وأشد فتكاً بالصحة مما جعل الأطباء يقولون فيها: "إن هذا المشروب أحرى بأن يدعى السم من أن يسمى خمرا "من أمثلة ذلك ما تدل عليه الإحصاءات لمدينة نيويورك من أنه كان عدد المرضى فيها من استعمال الكحول في سنة 1918 قبل التحريم: 3741 وعدد الهالكين من استعماله: 252 نفساً _ ثم بلغ عدد المرضى فيها لسنة 1927 بعد التحريم أحد عشر ألفا وعدد الهالكين سبعة آلاف ونصف الألف.
وحاصل القول أن النتائج التي هرت في أمريكا عقب تحريم الخمر تتلخص في أنه:
_ زالت عن القلوب حرمة القانون ونشأت نزعة للبغي والتمرد عليه في كل طبقه من طبقات المجتمع.
_ لم تتحقق الغاية المقصودة من تحريم الخمر، بل زاد استعمالها بعد التحريم على ما كان عليه قبله.
_ تجشمت الحكومة خسائر لا تحصى في تنفيذ قانون التحريم، ومثلها أيضا أصاب الشعب الأمريكي لشرائه الخمر خفية، فتأثرت بذلك اقتصاديات البلاد.
_ كثرت الأمراض واختلت الصحة وازدادت نسبة الوفيات، وفسدت الأخلاق وشاعت الرذائل وتفشت الجرائم في جميع طبقات المجتمع وعلى الأخص في الجيل الناشئ.
وكانت هذه كلها من ثمرات هذا القانون في ناحية التمدن والأخلاق إلى أن ألغي قانون تحريم الخمر في عام 1933م.
ظهرت هذه النتائج كلها في دولة تعد من أرقى دول الأرض حضارة. إن أبناءها أوفر حظاً من التهذب والحضارة، فهم أحرى أن يعرفوا ما يضرهم وما ينفعهم.