إن أي عمل في هذا الصدد دون الارتكاز على خلفية دينية لن يعود بأية فائدة علينا ويتبين هذا من تجربة عظيمة أجريت في أرقى وأقوى دولة في العالم _ أمريكا في عام 1920م وفيما يلي ألخص ما كتبه الشيخ المودودي بصدد هذه التجربة التاريخية العظيمة.
حرمت الحكومة الأمريكية الخمر في عام 1920م _ كانت هذه أكبر تجربة جربها الإنسان لإصلاح الأخلاق والسلوك الاجتماعي بقوة وسلطة الحكم لا يوجد لها نظير في التاريخ.
فأقيمت في البلاد، قبل إعلان تحريم الخمر، دعاية واسعة النطاق ضد الخمر وبقيت الرابطة المحاربة لوجود حانات بيع الخمر تسعى وتجتهد في ترغيب الأمريكيين عن الخمر وتثبيت مضارها في أذهانهم، بإلقاء الخطب وتأليف الرسائل والكتب وعرض المسرحيات وأفلام السينما.
وأفنت في سبيل هذا التبليغ عشرات وبذلت الأموال الطائلة، حتى قدر أن النشرات المطبوعة والمسموعة بلغت تكاليفها مبلغ خمسة وستين مليون دولار، وأنه بلغ عدد الصفحات التي سود بياضها لبيان مساوئ الخمر والزجر عنها تسعة آلاف مليون صفحة.
ذلك قبل بدء التجربة. وأما ما تحملته الأمة الأمريكية في الأربعة عشر عاماً من 1920م إلى 1933م، عام إلغاء قانون التحريم، من النفقات الباهظة لأجل تنفيذ قانون التحريم فقدر مجموعها بأربعة ملايين ونصف مليون جنيه.
وتدل الإحصاءات التي أذاعها ديوان القضاء الأمريكي لهذه الفترة، أنه قتل في سبيل تنفيذ هذا القانون مائتا نسمة وسجن نصف مليون وغرم الجناة ما يربو على مليون ونصف مليون جنيه، وصودر من الأملاك ما يساوي أربعمائة مليون جنيه.
كل هذا النقص الهائل في الأنفس والأموال كابدته أمريكا لغرض واحد، هو تلقين الأمة الأمريكية "المتحضرة "مفاسد الخمر الجمة وتنبيهها إلى مضارها الروحية والصحية والأخلاقية والاقتصادية ولكن عاد القوم من هذا الجهاد الإصلاحي العظيم بصفقة خاسرة.