إن المؤمن إذا سمع قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن يغرسها قبل أن تقوم القيامة فليغرسها"، لا يسعه إلا أن يواصل العمل ليل نهار، ويبذل جهده صباح مساء، وكيف لا ونتيجة هذا السعي ستعرض على الله، وثمار هذا البذل ستكون في كفة حسناته يوم يلقى الله وكيف لا والأمر الرباني الكريم يلاحقه في كل حين. {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (التوبة/105) .
والرسول صلى الله عليه وسلم يحرص على الاحتراف واتخاذ المهنة، "ما أكل أحد طعاما قط خير من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده" [2] .
ولما سمع الخليفة الثالث - عثمان بن عفان - قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من بنى لله مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة" [3] فهم من ذلك تحسين البناء وتطويره حتى يكون بيته في الجنة بقدر تحسينه للمسجد وإتقانه، ومن هنا بني المسجد بالحجارة المنقوشة، وجعل أعمدته من الحجارة بدلا من جذور النخل، وسقفه بالساج بعد الجريد، وجصصه، وأحكمه.
إن الدوافع التي حدت بعثمان أن يفعل ذلك على غير سابقة دوافع ذاتية، ألم ترى أنه أراد أن يكون بيته في الجنة على غرار بناء المسجد وإتقانه، إن رغبته فيما عند الله، وإيثاره الآخرة على الدنيا هما الدافعان الحقيقيان لهذا التطوير والتجديد.
وعثمان_رضي الله عنه_ وإن تعرض بسبب ذلك للنقد والقيل والقال، إلا أن هدفه كان أسمى من أن يحجزه عنه نقد أو اعتراض، فالدافع هنا هو سبب ذلك الإبداع في البناء، وتطلع عثمان_رضي الله عنه_ إلى ما عند الله كان القوة الدافعة التي جعلته يستهين بعقبات الدنيا مهما كان حجمها، ومهما كانت عواقبها.