وبهذا قطع الإسلام كل أسباب التفاخر بين الناس، وأغلق باب التفاضل بما لا دخل لهم فيه، وفتح بابا واحدا يمكن للناس كل الناس التنافس فيه بالجهد الشخصي، والتفوق الذاتي وهو باب العمل الصالح وإفراغ الطاقة في البر والتقوى بكل ما تتسع له الكلمة من المعاني، وعلى هذا فالعمل الذي يعم نفعه المجتمع أو أكبر قدر منه هو أعظم من الأعمال القاصرة على الشخص نفسه؟ وأضخمها في ميزان المجتمع المسلم، ومن هنا كان حث الإسلام على التعاون، ودعوته إلى الاجتماع، وعلى هذا المعنى الرائع يدل قوله: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر" [1] .
ويوضح هذا المعنى كذلك قول أمير المؤمنين عثمان بن عفان الذي يروى عنه: "المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى".
الدافع والتطور:
والتطور نتيجة حتمية للدوافع التي تحفز الإنسان إلى التطلع للأكمل والأرفع وهذه الدوافع سواء كانت ذاتية منبعثة من داخل النفس الإنسانية أم كانت خارجية كالحوافز المادية والمعنوية كلها ذات أثر بالغ في التطوير سواء كان في المخترعات أم في الفكر والسلوك أم في أساليب الحياة وأنماطها.
والإيمان بالله من أعظم الدوافع التي تدعو إلى التطور وذلك لأن المؤمن يعتقد بأن وعد الله حق، وأن أجله محدود، ورزقه مضمون، وهو مطالب بالعمل حتى يفارق هذه الحياة.
لهذا فهو مقدام لا يهاب المغامرات متى كان ذلك مطلوبا شرعا، كريم لا يخشى الفقر، مجِدٌ لا يعرف الملل وتلك هي المواصفات التي تدعو إلى الابتكار والتطوير والإبداع.
فالشجاع المقدام لا يهاب الفشل، والكريم المعطاء يبذل في سبيل تحقيق آماله، والمجد الدؤوب لا يمل من الدأب حتى يصل إلى مرامه أو يهلك دونه وقديما قيل:
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته
ومدمن القرع للأبواب أن يلجا